تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في يوم المسرح العالمي: محكومون بالأمل أم بواقع مؤسساتنا المسرحية؟

ملحق ثقافي
3/4/2012
د. علي محمد سليمان:يحتفل العالم بيوم المسرح العالمي في السابع والعشرين من آذار كل عام في تقليد بدأ في عام 1961. بدأ هذا التقليد السنوي بمبادرة من المعهد الدولي للمسرح

ثم تحول إلى مناسبة احتفالية ساهمت في إغناء الثقافة المسرحية في أنحاء العالم عبر التأكيد على الطابع الإنساني والكوني للظاهرة المسرحية ولما تمنحه من إمكانيات تعبير وحوار ولقاء بين البشر. ويحدد المعهد الدولي للمسرح أهداف يوم المسرح العالمي بصيغة لا تخلو من حماسة وتفاؤل بدور المسرح في تشجيع الحوار بين الشعوب وتطوير فرص السلام والازدهار. وخلال عقود طويلة من عمر هذا التقليد تكرست تقاليد احتفالية بهذه المناسبة في مختلف أنحاء العالم عبرت في تنوعها عن تنوع الثقافات المسرحية في العالم وعن اختلاف شروطها الاجتماعية والسياسية والثقافية.‏

كم مرة أطلق النقاد صيحات التحذير والرثاء معلنين عن نهاية المسرح وتراجعه من حياتنا؟! ألم يعلن العديد منهم على سبيل المثال أن الدور الاجتماعي والسياسي للمسرح في أوروبا وأمريكا قد انتهى إلى الأبد بعد حرب فييتنام؟! ألم تصور لنا النخب الثقافية والفنية في ثمانينيات القرن الماضي أن المسرح الجاد والعميق قد مات وترك مكانه للمسرح التجاري؟! ألم يستسلم الكثيرون إلى قناعة مفادها أن الألفية الثالثة ستكون عصراً بلا مسرح عظيم في زمن الحروب المتلفزة؟! ولكن ماذا حصل؟! ألم ينهض المسرح بعد كل أزمة ليعيد تأكيد ذاته كضرورة إنسانية وكحتمية ثقافية في فضاء الحياة المدنية؟! نعم لقد حصل هذا كله ولم ينته المسرح..‏

تشكل مناسبة يوم المسرح العالمي فرصة لإعادة التأمل في علاقة المسرح بحركة وتطور المجتمعات ولمواجهة سؤال حيوي يتعلق بقابلية استمرار هذا الفن في الوجود كحاجة إنسانية واجتماعية أساسية رغم كل التحديات التي يواجهها ورغم كل تلك النبوءات التي تتسابق بحماسة مشبوهة على إعلان موته. يعبر الناقد مايكل بيلغنتون في هذا السياق عن ذلك بقوله أن على المسارح أن تحتفل بيوم المسرح العالمي من خلال توجهها إلى الشرائح الهامشية من المجتمع. ويتفق بيلغنتون مع التوجه الذي أخذ الفنانون المسرحيون الشباب يعبرون عنه خلال السنوات الأخيرة في أنحاء مختلفة من العالم، فهم يرون أن يوم المسرح العالمي أصبح مناسبة للتعبير عن التمرد على المؤسسات المسرحية التقليدية في بلدانهم. إنها مناسبة للاحتفال بالهامشي والمغاير في الثقافة المسرحية التي احتكرتها مؤسسات أصبحت مغتربة عن حيوية الظاهرة المسرحية من حيث انتمائها إلى الواقع بكل تناقضاته وتعدديته. وقد عبر المسرحيون الشباب في الحقيقة عن رغبة قوية باستعادة المسرح من المؤسسة من خلال تحويل يوم المسرح إلى احتفال يناهض احتكار المؤسسة التقليدية للمسرح.‏

إذا كان المسرح لدينا يعاني من أزمة لم يعرف كنهها أحد بعد، فإن المسرح كما تؤكد تجارب الغير يولد من الأزمة ذاتها. بمعنى أن الأزمة، إن وجدت في مجتمع ما، إنما تشكل مادة غنية لعمل المسرحيين في تطوير أدواتهم وجمالياتهم بشرط وحيد هو وجود حراك ونمو ثقافي في المجتمع. لقد أشار العديد من النقاد في أوربا مؤخراً إلى أن المسرح الذي اعتبره الكثير من المنظرين هامشياً في المجتمع المابعد صناعي ذي الثقافة التكنولوجية المهيمنة يمكن له أن يكون الأصدق في التعبير عن القضايا العامة المصيرية. ويعود ذلك إلى أن هذا الفن هو الوحيد القادر على إقامة الحوار بين البشر بشكل مباشر ودون وسائط مفتعلة.‏

فلماذا تعيد الأزمة إنتاج ذاتها لدينا في سورية؟! لماذا نختلف عما يجري في أنحاء عديدة من العالم حيث تحفز الأزمات قابليات التجريب والبحث عن حلول ووسائل جديدة للعمل؟! هل تنقصنا المؤسسات؟! أليس لدينا معهداً عالياً للفنون المسرحية كان في زمن غابر يعتبر أحد أهم المعاهد في الوطن العربي؟! لماذا تحول هذا المعهد الذي لعب دوراً ريادياً في مراحل سابقة في إغناء الثقافة المسرحية إلى مؤسسة عاطلة عن العمل؟! ولماذا أصبح مئات الشباب الذين استثمرت فيهم الدولة موارد كبيرة لتأهيلهم كفنانين مسرحيين محكومين ليس بالأمل كما قال أستاذهم الراحل سعد الله ونوس في يوم المسرح العالمي ذات يوم، بل محكومين بخيارين لا ثالث لهما، إما العمل في التلفزيون أو البطالة واليأس؟! ونتساءل أيضاً: ما هو سر العجز المزمن لكل المؤسسات المسرحية الرسمية التابعة لوزارة الثقافة، ولماذا تحولت هذه المؤسسات إلى عبء وعائق في وجه حياة المسرح لدينا؟‏

في مواجهة هذه الأسئلة هل يمكن لنا أن نستفيد من تجارب غيرنا في بلدان العالم ونعلن انهيار مؤسساتنا المسرحية أو انتهاء صلاحيتها وتحولها إلى مجرد كيانات بيروقراطية جاهلة لا تستطيع سوى إعادة إنتاج المشاكل والعقبات في وجه المسرح والمسرحيين وتساهم كشريك في تعميق أزمة ثقافية عامة يعاني منها مجتمعنا؟! ربما لا نحتاج إلى إعلان ذلك، فهو واضح وعلني بما يكفي. لكن السؤال الأهم هنا، هل نستطيع حقاً التخلي عن دور المؤسسة الرسمية في تطوير وإغناء الحركة المسرحية؟ لا يبدو أننا نستطيع في بلد كسورية، وليس من المنطقي أن نستسلم لواقع المؤسسات المتخلف في بلد لا يزال يكافح من أجل إنجاز مشاريعه في التنمية الثقافية.‏

لقد سيطرت على احتفالات المسرحيين الشباب بيوم المسرح العالمي في العالم خلال السنوات الماضية الدعوة إلى استعادة المسرح من المؤسسة من خلال تحويل يوم المسرح إلى احتفال يناهض احتكار المؤسسة التقليدية للمسرح. إن دعوة المسرحيين الشباب هذه إلى استعادة المسرح من المؤسسة في بلدان متطورة أنجزت مشاريعها الوطنية في التنمية الثقافية وتمتلك تراثاً مسرحياً عريقاً لا بد أن تثير فضولاً وشجوناً لدى مسرحيينا. فنحن الذين ما زلنا نبحث عن ثقافتنا المسرحية ومازلنا بشكل أو بآخر نسعى إلى تحويل العرض المسرحي إلى حدث ينتمي إلى محيطه الاجتماعي لدينا قصة أكثر تعقيداً مع المؤسسة. هل يستطيع المسرح الاستمرار دون المؤسسة لدينا؟ لا يبدو ذلك ممكناً في الأفق المنظور لأسباب يطول شرحها في هذا السياق، إلا أن واقع المؤسسة لم يعد في أي حال قادراً على تطوير العمل المسرحي بصيغ عصرية قادرة على التفاعل مع الثقافة المسرحية العالمية.‏

فليكن يوم المسرح العالمي مناسبة لاستعادة المؤسسة من غيابها ودعوة للبحث الجاد عن أساليب عمل جديدة لا تكتفي بالاحتفال الموسمي الباهت بأمجاد ولى زمنها أو بأوهام لم تعد تتمتع بأي جاذبية في أيامنا. هناك ضرورة ملحة للبحث عن آفاق جديدة، فالعالم سيكون أكثر قبحاً وقسوة دون مسرح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية