تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في مسرح القسوة

ملحق ثقافي
3/4/2012
د. رحيم هادي الشمخي:ارتبط مسرح القسوة باسم الكاتب الفرنسي «أنطون آرتو»، وينهض هذا المسرح على تصور مفاده، أن العرض المسرحي لا يقصد منه أن يكون مجالاً للتسلية

المتفرجين أو جعلهم يعيشون لحظات استرخاء يتقمص فيها المتفرج دور البطل أو البطلة والتماهي مع أقدارها أو إنجازها كالذي يطالعنا في المسرح الأرسطوطاليسي التقليدي، ومسرح القسوة شأنه بذلك شأن المسرح الملحمي الملتزم إيديولوجياً الذي رفع لواءه الكاتب المسرحي الألماني المعروف «بريتولد بريخت» في مسرحياته المعروفة «دائرة الطباشير القوقازية» و»الأم شجاعة» و»غاليلو» التي سعى فيها إلى كسر الإيهام المسرحي وجعل للجمهور مشاركاً فاعلاً في النص المسرحي.‏

أقول إن مسرح القسوة يهدف هو الآخر إلى غاية مضيئة وهي زلزلة قناعات المتفرج وتحطيم حالة الرضا عن الذات والقناعة لديه وجعله يعيش لحظات في مشاهد العنف وسفك الدماء والقسوة البالغة التي يجد ارتواؤها جزءاً من العلاج النفسي الذي يستهدفه، وأحد الأمثلة البارزة على تطبيق هذه النظرية هو مسرحية الكاتب الإنكليزي المعاصر «بيتر شيفر» الموسومة «الخيول» التي يعتمد فيها فتى الاسطبل إلى بقر بطون الجياد التي أحبها كتجسيد صناع للحالة السادية والمازوخية التي تستبد به عموماً.‏

يستند مسرح القسوة إلى منطلقات فكرية ونفسية ترى في الكشف عن العوامل الخبيثة في الذات الإنسانية في عنف وتمرد كوسيلة ناجعة لعلاجها والتخلص من الأضرار الجسيمة التي تنجم عن كبتها وإبقائها في اللاوعي. وبطبيعة الحال ليس هذا التصور بالجديد تماماً فالمعلوم أن المسرح التراجيدي الأرسطوري قائم على دعامتين أساسيتين هما الخوف والشفقة إذ حيث يمتلك المتفرج الخوف في المصير الفظيع الذي ألم بالبطل أو البطلة فإنه والحالة هذه يكون قد عاش تفصيلياً تلك اللحظات و»تطهر» في تلك المشاعر المحبوسة داخله ليعود إلى بيته في حالة نفسية أفضل، أو على الأقل هكذا كان يعتقد المنظر الأول في المسرح، أرسطو، ومسرحيته، الملك لير، لشكسبير، التي تنتهي بمكابدات وموت الملك لير، نفسه فضلاً عن ابنته الوفية كوديلا، نموذج حي على هذا المسرح الأرسطوري الذي يشترك مع مسرح القسوة في هذه التسمية، وهي استشارة حد من الفزع والرعب جاء ليزعزع القيم الإنسانية التي رافقت الإنسان طوال حياته وأعني بها العلاقة بين الآباء والأبناء وما يترتب عليها من حقوق وواجبات وحماقات وسلوكيات.‏

ويؤخذ على مسرح القسوة مع كل ما فيه من طروحات وأهداف إيجابية إسرافه في إضاعة الوقت حول العنف والمناظر المقززة التي تحول النص المسرحي في بعض الأحيان إلى جلسة نفسية يقوض خلالها إلى شد عصبي ونفسي مبالغ فيه، ومن ثم يفقده الغاية المرجوة وهي توجيه المتفرج الوجهة الصحيحة بعد أن تتاح له فرصة معاينة الصراعات والخلجات والرغبات على خشبة المسرح لكي يتفاوت ما هو سيئ منها وغير المقبول اجتماعياً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية