تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين ينتحل المحتل هيئة الضحية

هآرتس
ترجمة
الأربعاء 4-4-2012
ترجمة: ريما الرفاعي

حين نقرأ الملاحظة الشاذة التي قالها أ. ب يهوشع بأنه لم يسمع أبدا ان اليهود يقولون: إن المحرقة تمثل اخفاقا لهم لأنهم لم يستطيعوا توقعها، لا بد أن يثور تساؤل: أين كان عندما لوح رئيس الحكومة نتنياهو ب «رسائل اوشفيتس»؟

( اوشفيتس هو معسكر اعتقال لليهود في بولندا يقال ان النازيين عذبوا فيه اليهود ) ألم يسمع يهوشع ان بنيامين نتنياهو قال ان محمود احمدي نجاد هو نسخة جديدة من أدولف هتلر؟ ألم يعلم بأن نتنياهو وعد أنه لن يوافق بأي حال من الاحوال على ان تقوم ايران بمحرقة جديدة ضد اليهود؟ ألا يفهم يهوشع ان المحرقة معناها الضحايا، وليس الذنب ولا الاخفاق ولا شيء من الارتياب، والضحايا ذخراً استراتيجياً ذا قيمة وجودية!.‏

في كتاب جديد يحمل اسم «سياسة الظهور بمظهر الضحية» تقول الدكتورة روت أمير ان تصور الضحية الاسرائيلي – اليهودي الذي كان حاضرا في الرواية اليهودية والفكر اليهودي ازداد قوة بعد المحرقة وبات يستخدم لمنح اسرائيل الشرعية السياسية. وأمير التي ترأس قسم الدراسات متعددة المجالات في المعهد الاكاديمي تقول ان التشبه بصورة الضحية تستخدمه اسرائيل من اجل تبرير اعتداءاتها وارتكاب المظالم بحق الاخرين. كما تستخدم اسرائيل عدة حيل لتثبيط الشعور بالذنب وذلك بغية قطع العلاقة السببية بين العمل ونتائجه والتحلل تاليا من المسؤولية، واعفاء نفسها من ازالة المظالم والسعي الى تحقيق المصالحة مع جيرانها.‏

كما يشير موت جون دميانيوك الى التصريح الذي تنسبه شولاميت الوني الى رئيسة الوزراء غولدا مئير بعد محاكمة آيخمان: «الآن وقد أصبح الجميع يعلمون ماذا فعلوا بنا، يجوز لنا ان نفعل كل شيء ولاحق لأحد في ان ينتقدنا ويقول لنا ماذا نفعل». بل ان مئير نبهت الى أنها لن تغفر لأعداء اسرائيل أنهم «اضطرونا» الى قتلهم ، وهذه شكوى اخرى تلبس لباس الضحية.‏

كما ان رئيس الحكومة مناحيم بيغن قال عشية قصف بيروت في حرب لبنان الاولى انه « لا يحق لأي دولة من تلك التي حاربت في الحرب العالمية الثانية ان تعظنا لأنها لم تفعل شيئا لوقف قتل اليهود والقضاء عليهم».‏

ان الظهور بمظهر الضحية يطهر الضحية من الذنب ويمكنها من طلب التعاطف معها حتى لو كانت هي الجهة القوية والمحتلة والمنتصرة. وتنجح هذه الازدواجية على مر السنين في ان تجعل يهودا اميركيين يقفون على أقدامهم حينما يسمعون خطبة من زعيم اسرائيلي يدعي أنه ضحية ، وتفتح محافظهم من أجل التبرع لاسرائيل. لكن منذ الحرب العالمية الثانية، أخذت لغة حقوق الانسان تحتل مكان المحرقة في الخطابين السياسي والاخلاقي. بل انه في المانيا أصبح أصعب ان تؤدي دور المحتل – الضحية. وقد زار سغمار غبريئيل، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يتطلع الى ولاية المستشار، قبل ايام اسرائيل والمناطق الفلسطينية ولم يخش ان يكتب في صفحته في الشبكة الاجتماعية انه يوجد في الخليل نظام فصل عنصري.‏

اذا أخرجنا من الخطاب المحرقة والظهور بمظهر الضحية فإن ادعاء نتنياهو بأن «من حق اسرائيل ان تدافع عن نفسها» يصبح سيفا ذا حدين لأنه كيف سنرد على زعيم فلسطيني يزعم ان «من حق شعب بلا دولة ان يدافع عن نفسه»؟ صحيح انه يوجد فرق. فاسرائيل لا تهدد بإبادة الفلسطينيين بل هي تسلبهم ارضهم «فقط» وتجعلهم تحت الاحتلال «فقط» مدة 45 سنة بغير حقوق مواطنة أساسية. ومن جهة اخرى اذا كان من العدل استعمال عقوبات على ايران لأنها ربما تخطط لاستخدام الردع النووي، فلماذا لايجوز فرض عقوبات على اسرائيل لوقف الاستيطان؟.‏

آن الأوان للقول: كفوا عن استخدام المحرقة والظهور بمظهر الضحية واسألوا أنفسكم: اذا كان يجوز لاسرائيل ان تقصف ايران للتخلص من التهديد النووي، فلماذا لا يجوز للفلسطينيين ان يطلقوا قذائف صاروخية على اسرائيل للتخلص من الاحتلال؟ وهل البناء اليهودي في المناطق المحتلة يتساوق مع القانون والاجماع الدولي أكثر من طلب الفلسطينيين ان يتم قبولهم اعضاء في الامم المتحدة؟ والى متى ستُخلص المحرقة السلطة الاستعمارية الاخيرة في العالم من ميثاق عدم نشر السلاح النووي ، في حين تطلب منع ايران من ذلك؟.‏

من غير ان نحتاج الى تناسب تبريري يجب ان نقول ان كثيرا من الفلسطينيين ايضا لا يفطمون أنفسهم عن إدمان النكبة واظهار أنفسهم بمظهر الضحية. ان مفتاح البيت القديم في (الشيخ مؤنس ) الذي يحملونه في أعناقهم لن يفتح لهم الباب الى فلسطين المستقلة، وسيكون الجميع خاسرين في هذه المعركة التي لا نهاية لها، المعركة الظهور بمظهر الضحية.‏

 بقلم: عكيفا الدار‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية