تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في مواصفات الصهيونية العرب إسلامية

ثقافة
الأربعاء 4-4-2012
عبدالكريم الناعم

-1-...الذي لا اختلاف فيه أن الصهيونية العالمية تسعى باستمرار للحصول على كل ما يدعم كيانها وينصرها على أي شكل جاء ذلك والذي يعنينا هنا تلك الفوارق بين (الصهيونية والمسيحية) التي تعتبر الدفاع عن الإسرائيلي واجباً دينياً ومقدمة لازمة لعودة السيد المسيح... و..(الصهيونية العرب إسلامية) ا

لتي لا تلتقي مع الصهيونية من حيث المبدأ، فالعلاقة التاريخية الفكرية مع اليهودية قائمة على الافتراق وما تمتع به اليهود من حرية ومساواة في الدولة العربية إبان عطائها كان ناجماً عن رؤية إنسانية قرآنية، فقد كانت حرية التعبد، العمل، والمواطنة مصانة، ولا شك أن الطرفين الإسلامي واليهودي ظل يحتفظ في الذاكرة بتاريخ مرحلة المدينة/يثرب وما تلاها حتى أخرجوا من الحجاز بمعنى أن المسلمين لم يمروا بتلك النقلة الخطيرة التي مرت بها أوروبا حين جرى لصق (التوراة) ب (الانجيل) واعتبرا كتاباً مقدساً واحداً وعبر هذه النافذة تدفقت الكثير من المجريات فيما بعد.‏

إن قليلاً من التوقف يضعنا أمام أن التربيط بين قادة الكيان الصهيوني وبعض القادة العرب كان منشؤه انصياع حكام من العرب للرغبات الغربية الاستعمارية ولاسيما انكلترا وأميركا وليس فيه شيء من ظلال الواجب الديني فهو دنيوي بحت بيد أنه استعان ببعض النصوص الدينية حين وجد أنها تتواءم مع مناسبة بعينها كتلك الفتاوى المهترئة التي واكبت رغبة أنور السادات في إقامة ذلك الصلح الدليل الظالم فاعتمد مجتهدو السلطة على الآية القرآنية (وإن جنحوا للسلم فاجنح) ووجد من يقدم رؤاه المؤيدة من الكتّاب والمتزلفين وكانت الردود على هؤلاء على مدى مساحة الوطن العربي الأمر الذي يشير إلى غرابة هذا النهج بينما لا نجد إلا القليل النادر لدى الغربيين ممن لا يرى مسوغاً لدمج (التوراة) ب (الانجيل) لأهداف دنيوية لالمبتغى ديني.‏

-2-‏

من تلك المواصفات أن مركز الحراك في الصهيونية العرب إسلامية هو أنه (رسمي) الابتداء نقول هذا على اعتبار أن الذين أرسوا تلك الدعائم هم (حكام العرب) لا لأن في نقلتهم تلك شيء من ملامح العروبة في مقطعها التاريخي المعني وهذه الخصيصة جغراسياسية فالدول المحيطة بالأرض الفلسطينية المحتلة هي دول عربية وأقرب الدول الإسلامية إلى فلسطين هي إيران وتركيا وهذا ما أعطى لتلك النقلة الخطيرة صفة أن عرباً أو أعراباً هم الذين قاموا بها ويخفف من صفة الحضور الإسلامي بعد الدول الإسلامية عن حدود فلسطين وأن منظمة الدول الإسلامية لم تصل بعد إلى مرحلة تجعل منها قوة وكياناً فاعلاً ومؤثراً في الأحداث وهو لم يرق بعد إلى إمكانية الدول التي يمثلها ولذا فالخصيصة العربية للذهاب في طريق الصهينة هي الأبرز وساعد على ذلك أن معظم البلدان الإسلامية كانت خاضعة للاستعمار الغربي الذي ترك آثاراً متشابهة في السياسة والثقافة ومن مواصفات تلك الصهينة أنها تأسست كفعل على ما هو سياسي لا على ما هو ثقافي وسعت بعض العواصم العربية باتجاه أن يكون ثمة حضور ثقافي ففشلت فشلاً ذريعاً بسبب المقاومة الثقافية التي حملها المثقفون العرب ولاسيما في مصر مساحة الاختراق والاختبار فظلت الصفة الرسمية هي الغالبة رغم كل ما قدم من إغراءات استدرجت البعض وكانت النجاحات الصهيونية طفيفة قياساً إلى حجم المبذول.‏

-3-‏

إن الصهيونية بمحافلها ونواديها وبالمكشوف والمستور مما يمت بصلة إليها لا تعنيها الثقافة والأفكار إلا بمقدار ما تقدم من خدمات للمشروع الصهيوني وإذا كانت بعض النوادي والمحافل تبسط بين أيدي من ينتسب إليها ما قد تسميه معارف أو أسرار أو ماقد يحفز للمتابعة والبحث لمعرفة مالايوصل إليه إلا عبر طقوس ونقلات وإضفاء لقيمة نوعية تضاف إليه...‏

إذا كان هذا مما يشد رجل الثقافة والمعرفة فإن السياسي الذي نعنيه هنا لاهم له إلا البقاء في السلطة ولذا فطريق هذا أقصر وأكثر نجاعة ولاسيما أن البلدان العربية لم تصل بعد سياسياً إلى مصاف المجتمعات القادرة على الاعتراض وإفشال ما يخطط له السلطان ولذا فإن اقتراب حكام العرب الذين قدموا للصهيونية خدمات جلى قد أخذ صفة المعاصرة والتحضر والانفتاح ولو على حساب تتضيع قيم وطنية وقومية كبرى.‏

إن تجميد دور الجامعة العربية ومنع مكتب مقاطعة البضائع الإسرائيلية من أن يكون له حضور فاعل والسكون على كل الاعتداءات التي تعرضت لها لبنان وسورية والضفة الغربية وغزة... هذا وما يصب فيه.. حول الجامعة إلى أداة بيد الصهيونية العالمية لا بل أصبحت في قراراتها تنطق باسم أولئك وإلا فما معنى أن تقف السعودية ودول الخليج هذا الموقف من سورية وأن تشهر سكاكين المذهبية والطائفية وأن تحيط بنا الدماء من كل صوب ومحتلو أراضي فلسطين ينعمون بالسلام حتى لكأنهم ليسوا أساس كل المصائب التي مررنا بها على مدى ستين عاماً بل نقلب المسألة لتقدم على أنها صراع بين المذاهب واقتتال بين الطوائف وتتكشف بعض الوجوه والمواقع فإذا نحن نواجه عالماً لا يتسع له الخيال!!.‏

-4-‏

الآن ثمة خريطة بين أيدينا فيها أن العراق الذي دفعوا له الكثير في حربه مع إيران يسعى جاهداً للملمة جراحه ويتهدده ما يتهدده والكويت غانمة سالمة لا تشكو إلا من مضايقة (الطوز)!!.‏

ثمة موجة إسلام سياسي، لم تصل بقوتها الذاتية الفكرية بل بدعم من وراء البحار قد وضعت يدها على السلطة في تونس وليبيا ومصر وكلهم تكلموا بما يرضى عنه الصهاينة فأي صدفة هذه؟!!‏

ثمة حزب العدالة الحاكم في تركيا يبدو أنه استطاع خداع الأتراك كما خدعنا وهو يتحرك بحسب أجندة صهيونية وإلا فما معنى كل هذا العداء لسورية؟!!.‏

ثمة جبهة مقاومة للمشروع الصهيوني تمتد من المقاومة في لبنان إلى سورية إلى العراق الذي تحيط به الكثير من الأخطار والمخاوف إلى إيران الثورة.‏

ثمة ما يحتاج إلى كثير من التوضيح والجرأة والتركيز من المفكرين ومن أهل الاختصاص وهو أن ما يجري فوق الأرض التي شملتها الحرائق وهو غزو مذهبي وهابي تحديداً أما علماء سورية فهم الذين يقفون مجاهدين مأجورين في وجه ذلك التيار الآثم؟!!.‏

إن العودة إلى قلاع الجماهير العربية الواسعة والاتصال بها وتوعيتها وتنظيف البيت من الداخل والعودة إلى روح المواطنة الدين لله والوطن للجميع وبناء سورية المواكبة الديمقراطية ذات العدالة الاجتماعية القادرة على استيعاب كل الورود والزهور المتفتحة في حقولها هذا وحده هو الرد من قلعة الرد وهذا وحده يطيح بمقولات الصراعات المذهبية الطائفية.. آخر ورقة يلعبونها الآن وأخطرها.‏

-5-‏

لابد من التحذير مما سيمكن البناء عليه بعد خروج سورية منتصرة من هذه المعركة فقد كشف الكثير مما كان مستوراً أو متستراً وما أفرزته الأحداث يصلح لأن يبنى عليه بما هو أخطر وأكثر فداحة إذا لم نحسن الاستفادة.‏

أنا لا أستبعد أن يعتبر الذين خططوا وحفروا كل تلك الأنفاق وأقاموا المشافي الميدانية ومدوا أيديهم لأهل الخارج وعملهم هذا ما كان مقدراً له أن يفشل لولا وطنية الجماهير السورية وتماسك المؤسسة العسكرية ولن يتركنا ذلك العدو ننعم بالراحة ولذا لابد من دراسة هذه المرحلة وتقييمها وحقن جسم المجتمع بكل ما يحصنه ضد تلك الأمراض والأخطار.‏

إن دراسة معمقة أمر واجب للبحث في كل الثغرات والمنافذ التي سمحت لكل هؤلاء الصهاينة أن يكونوا بيننا.‏

ترى هل يرتقي بعض كتاب العرب في الموقف إلى مستوى ماتكشف وما هتكته الأحداث فيكونون فعلاً لا قولاً بمستوى بعض كتاباتهم أم أن بعضهم على الأقل سيظل مشدوداً إلى فورانه الثأري وإلى أحقاده الشخصية؟!!‏

aaalnaem@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية