|
شؤون سياسية وأورد التلفزيون نقلا عن وكالة الأنباء السنغالية أن الرئيس واد «اتصل عند الساعة التاسعة والنصف ليلا (بالتوقيتين المحلي والعالمي) من مساء الاحد بخصمه ماكي سال وهنأه بعد صدور النتائج الأولية التي أظهرت فوزه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية السنغالية. وقدجرت الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في السنغال يوم الأحد 25 آذار الجاري، و فاز فيها المرشح ماكي سال بنحو 68،50 في المئة من الأصوات مقابل 34،20 في المئة للرئيس المنتهية ولايته عبد الله واد، وذلك حسب نتائج جزئية غير نهائية. وكانت نسبة المشاركة في الاقتراع 55 في المئة وهي أعلى بقليل من المسجلة في الدورة الأولى في 26 شباط الماضي 51،58في المئة. و أثبتت الانتخابات السنغالية الأخيرة أن الديمقراطية في هذا البلد الإفريقي صلبة و هادئة، على عكس جارتها مالي ، التي شهدت انقلابا عسكرياً قبل شهر واحد من انتهاء مدة الرئيس أمادو توماني توريه. وكانت الولايات المتحدة الأميركية تتباهى بالديمقراطية في مالي، غير أن سقوط نظام العقيد القذافي ،وتزايد نشاط تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، أسهما في زعزعة الوضع الأمني، ما أدى إلى تقوية تمرد الطوارق، وزاد من الاستياء داخلياً فاتحاً الباب أمام الانقلاب الذي حصل الأسبوع الماضي.إنه تطور مقلق للديمقراطية في غرب إفريقيا. وكان عبد الله واد هذا الليبرالي المقتنع بليبراليته قد وضع حدّا لأربعين سنة من الحكم الاشتراكي عندما انتخب رئيساً للسنغال للمرة الأولى في العام 2000، باعتباره مرشحاً ليبرالياً قدّم للناخب السينغالي بديلاً حقيقياً ضدالرئيس الاشتراكي المنتهية ولايته عبدو ضيوف . وشغل واد منصب الرئاسة سبع سنوات، ثم خمس سنوات بعد تعديل للدستور.. واحتج معارضو واد على ترشحه معتبرين أنه استنفد ولايتيه المتعاقبتين الشرعيتين، من خلال اعتمادهم على بند في الدستور المعدل في سنة 2001، و الذي يحدّد مدة الرئاسة بولايتين.لكن واد أصرعلى فرض ترشحه لولاية ثالثة، المر الذي قاد إلى حدوث جدل سياسي ساخن بين مكونات المعارضة السنغالية و الرئيس عبد الله واد، و إلى تجدد أعمال العنف التي عمت البلاد ، و نجم عنها سقوط عشرات القتلى في فترة الحملة الانتخابية . ويعتبر عبد الله واد معارضاً تاريخياًللأب المؤسس للسنغال الحديث المستقل عن فرنسا، الشاعر الكبير ليوبولد سيدار سنغور (1960-1980).وعلى الرغم من أن الرئيس المنتهية ولايته جاء في المرتبة الاولى في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بحصوله على 34،81في المئة من الأصوات، يليه منافسه و رئيس حكومته السابق المرشح ماكي سال بنحو 26،58في المئة، فإنه دخل إلى الدورة الثانية في وضعية غير مناسبة . فالجاذبية التي كان يتمتع بها هذا المعارض التاريخي قد استنفدت جدواها منذ إعادة انتخاب واد في سنة 2007،و مقاطعة المعارضة الديمقراطية للانتخابات التشريعية. وكانت عملية التحديث التي قام بها عبد الله واد خلال فترة رئاسته الأولى و الثانية ، تخللتها حدوث فضائح مالية-سياسية،على هامش التحديث للبنية التحتية في السنغال ، مثل إنشاء الطرقات السريعة، و إقامة مشاريع فرعونية. و في الوقت الذي كان الرئيس واد يطمح أن يرفع بلاده إلى مصاف «البلدان الناشئة»، من خلال انخراط السنغال في «استراتيجية نمو متسارعة» ، تكون السياحة و الزراعة، واستثمار مناجم الحديد، محركاتها الرئيسة،فإن ازدياد أسعار المواد الغذائية الأساسية(الأرز، الزيت، الطحين)، و أزمة الزراعة، و بقاء البلاد بعيدة عن تحقيق اكتفائها الذاتي على صعيد الغذاء، واتجاه معدل النمو نحو الانخفاض متنقلا من 6% إلى 2،8% في عام 2006، إضافة إلى الارتفاع الجنوني لأسعار النفط، و أزمة إنتاج الفستق العبيد(انخفاض بنحو 30% في عام 2006)الذي يعيل أكثر من ثلاثة ملايين سنغالي ، هذه العوامل مجتمعة ، أسهمت في إعاقة النمو. إضاقة إلى الفكرة الرئيسية التي أصبحت مهيمنة على عقل واد، ألا وهي توريث الحكم لابنه كريم، البالغ من العمر 43 عاما،لاسيما وأن كريم تبوأ العديد من المناصب منذ عام 2001، لدرجة أنه أصبح اليد اليمنى للرئيس. وعلى الرغم من نفي الرئيس عبد الله واد لوجود أي مخطط لتوريث الحكم لابنه إلا أن قراره في تشرين الأول 2010 بتعيين كريم وزيرا للطاقة قد زاد المخاوف من بدء تنفيذ هذا المخطط، رغم ضعف شعبية كريم الذي هزم في معقله بداكار في الانتخابات المحلية والبلدية التي جرت في أيار 2009. كل هذه الأحداث لم تكن مقبولة داخل المجتمع السنغالي، و حتى داخل معسكر واد نفسه.و هذا ما قاد واد إلى إزاحة رئيس حكومته السابق ماكي سال من السلطة خلال السنوات القليلة الماضية بسبب طموحاته الرئاسية. أسهم هذا الانشقاق الليبرالي داخل معسكر واد إلى توحيد صفوف المعارضة الليبرالية السينغالية التي وجدت عماً قوياً لها من جانب المعارضة الاشتراكية، يضاف إلى ذلك أن الرئيس المنتهية ولايته عبد الله واد بات مكروها من قبل الطبقة السياسية السينغالية و المجتمع المدني ، حيث أخطأ في تقدير مدى حسمها في الوقوف ضده .و فضلاً عن ذلك ، فإن واد رفض الإنصات لكل الأصوات التي كانت تناديه بعدم الترشح لولاية ثالثة،باعتبار ترشحه كان منافيا للدستور، و للديمقراطية. وهكذا وجد الرئيس المنتهية ولايته عبد الله واد نفسه أمام تشكل جبهة عريضة تضم كل أطياف المعارضة من الليبراليين إلى الاشتراكيين ، مرورا بالماركسيين ، ومكونات المجتمع المدني الحديث ، أطلقت على نفسها اسم حركة 23 يونيو . و كان كل المرشحين من هذه الحركة الذين انهزموا في الدورة الأولى قد دعوا للتصويت لمصلحة منافس واد، السيد ماكي سال. يجمع المحللون السينغاليون و الأفارقة إلى أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في السنغال كانت بمنزلة الاستفتاء الشعبي، وهذا ما أكده الرئيس المنتخب ماكي سال في أول كلمة ألقاها أمام أنصاره من فندق كبير في العاصمة داكار، حيث قال :» يعبر حجم هذا الفوز الموصوف بالاستفتاء عن ضخامة انتظارات السكان ، وسوف آخذ الإجراء اللازم. نحن جميعا مدعوون للعمل سوية». تعتبر الورشة الاقتصادية و الاجتماعية في السنغال ضخمة، حيث أن سنغالياً من اثنين يعيش تحت خط الفقر. و على الصعيد السياسي ، فإن الرئيس المنتخب ماكي سال مطالب بأن يشكل حكومة جديدة تضم في سراياها الليبراليين و الاشتراكيين و الخضر، ومكونات المجتمع المدني، الذين ساندوه في هزيمة واد. الآن ، الهدف الأول من الجبهة المضادة لواد ، تحقق من خلال هزيمة الرئيس المنتهية ولايته الذي عاند كثيرا ، وحال التشبث بالسلطة التي وصل إليها ديمقراطياً منذ سنة 2000 ، بدل أن يتقاعد.الآن تتجه الأنظار في السنغال نحو الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجري في شهر يونيو المقبل ، و التي ستحدد بدقة موازين القوى السياسية، وحجم كل قوة سياسية شاركت في هذا التحالف العريض الذي أوصل ماكي سال إلى سدة الرئاسة في السنغال. كاتب تونسي |
|