تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الـ «بريكس».. ودروسه المستفادة

شؤون سياسية
الأربعاء 4-4-2012
حسن حسن

مجموعة الدول المسماة «بريك» (البرازيل وروسيا والهند والصين)، والتي انضمت إليها مؤخراً جنوب أفريقيا، ليصبح اسمها «بريكس» تتميز بأنها منذ عقد كامل تقريباً تسجل نمواً اقتصادياً مرتفعاً وثابتاً مع أعلى النسب العالمية في مجال نمو الشركات، أو في عدد براءات الاختراع، أو عدد حملة الشهادات العليا، أو القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وغيرها من الميادين.

بين بداية ونهاية العقد المنصرم، ارتفع حجم الناتج الاجمالي الداخلي في الصين بنسبة 290 في المئة، وفي الهند 220 في المئة وفي روسيا 170 في المئة وجنوب أفريقيا 150 في المئة (للمقارنة فرنسا البلد الصناعي الكبير 116 في المئة فقط), على المستوى الاجتماعي انخفض الفقر في البرازيل وروسيا إلى النصف تقريباً والأمل بالحياة لدى الولادة زاد بمعدل خمس سنوات، وفي الصين انخفض عدد الجياع 12 مليوناً لكن عددهم لايزال نحو المئة والثلاثين مليوناً إلى اليوم.‏

والمعروف أن مجموعة «البريكس» تضم نصف سكان المعمورة تقريباً (2،9 مليار نسمة من أصل سبعة) وثلاثة أخماس سكان البلدان النامية (5،1 مليار نسمة) وهي بصدد وضع نهاية لمقولة حتمية التخلف التي طالما أيدها علماء كبار، ومنهم الحاصل على نوبل للاقتصاد مثل غونارميردار (1974) أوجون كينيث غولبراي (1980) الأول كان يقول: إن قوى السوق عندما تعمل بنفسها من دون تدخل تؤدي في الدول الفقيرة أكثر من غيرها، إلى نمو المزيد من الفروق الطبقية وتكريس فقر الطبقات الدنيا مايخلق دائرة مغلقة لايمكن كسرها إلا بتدخل الدولة، أما الثاني والذي استفاد من تجربته كسفير في الهند فنشر في عام 1980 كتاباً تحت عنوان «نظرية الفقر الشعبي» فيعتقد بأن «الفقر في البلدان الفقيرة قدر محتوم لاخروج منه، الأمر الذي يقود إلى التكيف مع الواقع: فعندما أعجز عن تغيير الواقع أتأقلم معه».‏

لقد تحدت «البريكس» هذه النظريات وغيرها بالاعتماد على السوق والدولة معاً، لم تلعب الدولة دور المخطط والموجه، لكنها كانت دوماً حاضرة كمسهل (تربية، بنى تحتية، قروض)، ثم كحام (في مجالات التجارة وسوق القطع والعمليات المالية والمصرفية مع المستثمرين الأجانب) وأخيراً كمنظم (سياسات اقتصادية وصناعية تهدف إلى تشجيع الصادرات)، لقد اعتمدت على الليبرالية المفرطة لاسيما في مجال الرواتب والأجور وشروط العمل والمالية العامة الأمر الذي يشرح التفاوتات الصارخة (ماعدا البرازيل) والقدرة على اختراق الأسواق العالمية (خاصة في مجال الأنسجة حيث تمكنت من منافسة حتى دول الجنوب الراسخة في هذا المضمار منذ عقود طويلة).‏

هذا الخليط من الليبرالية والتدخلية المتجة كلياً نحو التصدير، حقق نجاحاً منقطع النظير ليصبح «نموذجاً» لاشك في أن دولاً نامية عديدة ستقلده عاجلاً أم آجلاً. لكن من أجل ذلك لابد أن تكون الدولة قوية وليست دولة عصابات، أما الشرط الثاني فهو حيازة مايكفي من الموارد لتمويل بنى تحتية وجهود تعليمية وتربوية ومهنية ومن دونها لايمكن للتصنيع أن ينطلق أساساً، ففيما عدا روسيا التي كانت دولة صناعية مع موارد طبيعية وبشرية مهمة اعتمدت «البريكس» على الصناعات الزراعية ذات المردود العالي (مع نتائجها السلبية على البيئة كما في البرازيل) مع التركيز على الأسواق الخارجية لأن الفقر في الداخل يقف حائلاً دون تصريف البضائع, من هذه الزاوية يمكن النظر إلى «البريكس» على أنها أولاد العولمة الأمر الذي يشكل في الوقت نفسه نقطة ضعفها الأساسية.‏

نجاح هذه الدول التي تتمتع بإنتاجية على النمط الغربي وبأجور على النمط الشرقي بحسب تعبير عالم الاقتصاد اليوناني أرغيري ايمانويل يعني أن الأجور لن تبقى على حالها لوقت طويل وهو ما بدأ بالظهور منذ الآن, وبذلك فإن قطاعات عديدة في هذه البلدان ستجد نفسها في مواجهة نظيراتها الغربية المتقدمة وهنا لن تكون المنافسة مضمونة النتائج لذلك عليها أن تسارع إلى تأهيل أسواقها الداخلية لتغدو جاهزة لمواجهة احتمال تراجع الصادرات, فالمعروف أن القروض السهلة مع النمو السريع تقود غالباً إلى التضخم، الأمر الذي يعرقل النمو المستقبلي وهو تحد عليها الاستعداد لمواجهته.‏

في الانتظار يمكن القول إن البلدان العربية تمتلك من المقومات ما يمكنها من الاستفادة من تجربة «البريكس» أو بعض دولها على الأقل، ولاننسى أن التكامل الاقتصادي العربي -لو حصل- نعمة لاتحظى بها هذه المجموعة التي تباعد مابين أعضائها عناصر الجغرافيا والتاريخ والثقافة واللغة وغيرها مما أنعم به الله على العرب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية