تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أبعد من نهار .. رواية تمتدّ زمنياً بين حربين « لأيمن الحسن»

كتب
الأربعاء 4-4-2012
فيصل خرتش

في هذه الرواية «أبعد من نهار» يظهر أيمن الحسن ما كان مخبأ من دفاتر الزفتية ، والزفتية هي منطقة في دمشق،

يسكنها البدو والقرباط ونازحو الجولان، ممن ضاقت بهم السبل، فلم يجدوا مكاناً آخر يمضون ليلهم ونهارهم سوى هذا المكان . بانتظار العودة ، بالنسبة للنازحين ، يدلف عليهم المطر ، فيتسترون منه ببقايا خرق يسترون بها أجسادهم من برد شديد .‏

إنها تضم تجمعاً واسعاً من البيوت المكتظة ، عُمرت من اللبن والطين المخلوط بالتبن، فيما بينها زواريب ضيقة ، حيث تسير المياه الوسخة عبر مجرى محفور في وسطها ، وإلى جوار كل بيت توجد حفرة صغيرة تملؤها مياه الاستعمال اليومي ، تنضح بواسطة سطل أو صفيحة تنك إلى ذلك المجرى .‏

الناس في الزفتية الذين نزحوا عاشوا ظروفاً اقتصادية واجتماعية بالغة الرداءة ، ناهيك عن إهمال الحكومة ، فبقيت أحلامهم هناك ، حيث بيوتهم ومزارعهم ، وذكرياتهم المجهضة وتقاليدهم التليدة. والراوي صبي صغير كان ينتظر الإنسانة التي يعجب بها ، وهو يحمل صفيحة للماء ، يملؤها من حنفية الجامع ، يضعها على كتفه ، ينقلها مرّة إلى اليمين ومرّة إلى اليسار خلال الطريق الطويل .‏

تبدأ الرواية من اليوم الذي تحررت فيه القنيطرة ورفع في سمائها العلم السوري ، ثم يبدأ التقطيع والخطف خلفاً ، والعودة إلى زمن الحرّب وزمن الهزيمة والانكسارات المتوالية إلى زمن حرب تشرين والانتصار الكبير على عدوّ شرس لا تردعه أي قيم ليحقق فيها ما يريد.‏

النساء أخذن معهن أغراضهن المنزلية ، وارتفعت تهليلات الفرح وعلت الأناشيد ، وأعطيت إشارة التقدم للسيارات الشاحنة باتجاه القنيطرة ، وهناك بعض السيارات لأخوة عرب، والجميع يرفعون بأصابعهم إشارات النصر .‏

ها هي مدينة القنيطرة: السرايا الحكومية تعج بالمراجعين ، والحوانيت مشرعة الأبواب ، الأبنية الجميلة ذات القرميد الأحمر على شرفاتها نباتات الزينة والورود اليانعة ، سينما، ومقاه عديدة ، مساجد وكنائس ومصلون.‏

هكذا كانت قبل حرب النكسة.‏

قصص وحكايات تدور في الزفتية التقطها الكاتب بمهارة ووضعها بين حربين ، قصص الألم والوجع البشري فينثرها في صفحات الرواية ، قصص الفقر والحرمان والحبّ والطهر، والسمو والعهر ، قصة أولئك الناس الذين عاشوا بعد عدوان حزيران حين دخلت القوات الإسرائيلية عصراً من يوم السبت بعد أن كان أغلبية سكانها قد غادرتها باتجاه العاصمة، ومناطق أخرى خوفاً من مجازر بشعة كالتي قاموا بها في بعض قرى الجولان مثل الدوكة وسكوفيا والدردارة.لقد قاموا بسرقة مدينة القنيطرة، الأبواب، النوافذ، ولم تنج دور العبادة من تدنيسهم ... بعد الهزيمة جاء ردّ القادة العرب لتوقيع معاهدة سلام بعقد مؤتمر في الخرطوم يوم 26 آب/أغسطس ، أقروا فيها عدم التفاوض مع إسرائيل أو الاعتراف بها ، أو إقامة صلح معها ، وهو ما عُرف بمؤتمر اللاءات الثلاثة ، وأصبح شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة شعاراً جماهيراً عربياً ، وبدأت المقاومة الفلسطينية تشن الغارات على مواقع العدو الأمامية . وفي 8 آذار/مارس 1969 فتحت المدفعية المصرية نيرانها على طول قناة سويس ، فعدّ هذا اليوم ولادة حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية .‏

هذه الذكريات دوّنها الكاتب وهي تختلط بسيرة جيرانه النازحين ، فيذكّر جدّه القومندان ، كما يلقب هناك ، ويتذكّر جدته وما تقوم به من أفعال ، وقصص الحبّ عندما كان صغيراً.هنا في الزفتية الرفاق كثيرون ، لم ينس أحد منهم بيته أو أرضه ، كالجولان عندهم أجمل بقاع الأرض ، ماؤه ألذ وأطيب ماء في الدنيا ، وهواؤه أنعش هواء، ورغم أن إسرائيل دمّرت قرى الجولان ، لكنهم مستعدون أن يدلوك على بيوتهم بيتاً بيتاً ، وعلى موقع المدرسة والجامع والكنيسة ، وأين كان الرجم الفلاني والشجرة العلانية، وكثير منهم سبحوا في بحيرة «طبريا».‏

1967 كانت سنة خصب في الجولان ، مطر غزير ومحصول وفير ، حقول القمح فارت ، واكتنزت سنابلها ، فقالت امرأة عجوز : « لما يصير القمح بطول عرف الحصان تحدث كارثة» . وحدثت الكارثة، فترك أهلها غلالهم ، أكياس حنطتهم ، أشجارهم الخضراء، قفف البصل، أباريق الدبس ، خوابي الزيت ، وجرار العسل ، تركوا ثيابهم معلقة على حبال الغسيل ودجاجاتهم في القن ، بغالهم وحميرهم، ومشوا كالظلال حاملين صررهم وعدة القهوة تلاحقهم النيران الإسرائيلية كي تجبرهم على المضي بعيداً .‏

أمّا العسكر فقد تخلصوا من أوراقهم الرسمية ، ورموا بزاتهم العسكرية ، بل إن بعضهم تزين بثياب النساء، لأن الدوريات العسكرية الإسرائيلية راحت تقتل كل من يرتدي ثياباً عسكرية.‏

شخصيات كثيرة وغنية ، ترتمي على أرض الجولان ، لقد سكنته القبائل العربية منذ فترات سحيقة وأقامت فيه مراكز تجارية وإمارات واسعة، إلى أن جاءت النكسة ، فهرب من هرب وسمي نازحاً ، كل ذلك حصل على أرض تسمّى الزفتية: « وفيها ينكسر الضياء في العيون، تذبل البسمة على الشفاه الظمأى لمياه الجولان المنعشة وصباحاته الجميلة ، ها هم يتهجون أسماء قراهم ومدنهم مع كل صلاة ، آملين بالرجوع، مطلع كل صباح» .‏

هنا سنجد شخصية الفدائي ، وأم «الجاجات» التي تخاف على «جاجاتها» فنسيتهن في القن وهو مغلق عليهن وبناتها، وشيخ الجامع، الأستاذ عامر، ومريم التي يدلعونها بمريومة التي فقدت زوجها . وهناك من بعيد تطل مدينة القنيطرة وقد سورها الاحتلال بالأسلاك الشائكة وعيون‏

العسكر الرواية تتابع مجريات الأحداث ومصير البشر بين حربين، حرب هزمنا فيها، وحرب انتصرنا.‏

‏

أبعد من نهار رواية -أيمن الحسن -اتحاد الكتاب العرب – دمشق 2011 -عدد الصفحات 252 صفحة ، قطع 24 سم‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية