تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التحفيز لا التأنيب مع رحلتهم نحو المستقبل

شباب
الأثنين 3-9-2012
غ.م

عندما يتعثّر أيّ منّا ويسقط على الأرض ويصاب ببعض الأذى هل علينا أن نقلّب أسباب تعثّره أولاً أم نبادر فوراً إلى إسعافه وتقديم العلاج له وبعد أن يُشفى تماماً نعود لأسباب تعثّره ونطالبه بتجنّبها في المرات القادمة؟

سمعتُ أحد الآباء يقسو بالكلام على ابنه لأن مجموعه في الصف التاسع لم يكن جيداً أو لم يكن كما تمنّى وتوقّع له، فراح يعدد له التسهيلات التي قدّمها له والتي افترض أنها ستقوده للتفوّق لكن لأنه – والكلام موّجه من الأب إلى الابن- لم يكن على قدر المسؤولية ولم يحسن استثمار التسهيلات التي قُدمت له ولم ولم..‏

العلاقة بين الآباء والأبناء وخاصة عندما تتعلق بالتحصيل الدراسي لا تستوي معظم الأحيان، فغالباً ما ينسب الأهالي نجاح أبنائهم لأنفسهم فيمجّدون أنفسهم من خلال تكرار ذكر ما قدموه لأبنائهم ووفروه لهم من دورات تعليمية وأساتذة مختصين وأجواء مريحة وتشجيع وترغيب حتى يكادوا أن يلغوا أي دور لأبنائهم في نجاحهم وهذا الأمر يضعف شخصية الأبناء ويذكرهم بتبعيتهم الكاملة وبعدم قدرتهم على فعل اي شيء من دون أهاليهم وفي هذا خطر على مستقبلهم من وجهة نظر الكثيرين لكنهم ينسون هذا الرأي عندما يتعلق الأمر بهم شخصياً..‏

قليلون جداً هم الذين يعرفون كيف يوظفون حتى حالات فشل أبنائهم في جعل هذا الفشل قاعدة انطلاق نحو وضع مختلف في المرحلة التالية من الدراسة أو في الحياة العملية، وهناك جملة نكررها وهي أنه من غير المنطق أن يصبح جميع أبنائنا أطباء أو مهندسين، لأن كلّ علم المهندس وشهاداته وخبرته لا قيمة لها ما لم يكن هناك عامل خبير يجيد تنفيذ ما رسمه وخططه هذا المهندس..‏

التعامل بموضوعية بمثل هذه الحالات هو المطلوب ونقصد بالموضوعية هنا تقديم الإسعافات الأولية والعلاج الناجع لإخراج أبنائنا من فشلهم لا التسليم بهذا الفشل أو جلدهم بسببه، ولدينا أكثر من حالة تشير إلى أن عدداً من الطلاب متوسطي التحصيل في الصف التاسع تحولوا إلى متفوقين في الشهادة الثانوية والعكس صحيح أيضاً والسبب هو ثقافة التعامل مع حالات الضعف والتي لا تقلّ أهمية عن ثقافة التعامل مع التفوق بل وتزيدها أهمية..‏

يمكن أن نأخذ من «دراسة الكترونية» بعض العناوين العريضة ونعود بعدها إلى موضوعنا..‏

تقول هذه الدراسة:‏

« في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي انعدام الثقة في النفس إلى خلق أزمة في الهوية ويصبح التعامل اليومي من الأمور الصعبة، وعندما يتفاقم ذلك الوضع فإنه ليس من غير المألوف ألا يتحمل الشخص المسؤولية خوفاً من الفشل، وبسبب عدم الرغبة في أن يكون في الصدارة، قد يرفض الترقي المهني خوفاً من عدم الجدارة.‏

هذا الاضطراب من وجهة نظر علم النفس عادة ما ترجع أصوله إلى مرحلة الطفولة، وهناك عدة عوامل بالطبع تتسبب في ذلك الشعور، ولكن هناك نمط عام.‏

فعلى سبيل المثال الآباء الذين يطالبون الأبناء بأعباء كثيرة قد ينتج عنها شعوره بالقلق والخوف من عدم القدرة على إرضائهم مما قد يؤدي إلى أن يضعف الطفل ويشعره بانخفاض قيمته وبالعكس، إذا كان الوالدان مفرطين في الحماية قد يشعر الأبناء بأنهم غير قادرين على مواجهة مصاعب الحياة كبالغين».‏

هذه الفكرة تقترب مما نريد أن نوصله وهو أن مطالبة الأبناء أن يكونوا في الصدارة دائماً قد يغسل شخصيتهم بشيء من عدم الثقة تقودهم إلى الهروب من المسؤولية لاحقاً، وهذا ما لا نريده لأبنائنا الذين عليهم ان يقودوا مستقبلهم بأنفسهم، وبالتالي وعدم إبداء رضا الأهالي مما يفعله الأبناء حالياً أو مما يحصلونه دراسياً قد يكون البوابة الأكثر خطورة لولوج هذا المستقبل، ولا يعني هذا أن نقف فقط عند ما يكتفون بفعله أو تحقيقه بأقلّ جهد أو أن نبدي الرضا على مردودهم دائماً سواء في المدرسة أو في الجامعة أو في علاقاتهم الاجتماعية وإنما القصد أن يكون تدخلنا مدروساً وبطريقة لا تؤثر سلبياً على نمو شخصيتهم أو استعادة الثقة بعد مطبّ أو فشل معين.‏

نركّز في ختام هذا الموضوع على الطلاب الناجحين من التاسع إلى الأول الثانوي وعتب الكثير من الأهل على أبنائهم لأن مجموعهم كان متواضعاً ومن وجهة نظر خاصة فإن الالتفات لترميم معنويات أبنائهم وتحفيزهم على تعويض ما فاتهم أهمّ بكثير من اللوم والعتب وكبوة صغيرة في بداية المشوار أخفّ بكثير من عثرة “البكالوريا” والتي بعلاماتها ترسم مستقبل كل واحد من أبنائنا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية