تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اللوحة بين الفن والتجارة.. هل أصبحت سلعة؟!

ثقافة
الأثنين 3-9-2012
أديب مخزوم

مع بروز ظاهرة ارتفاع أسعار اللوحات في صالات دمشق، باتت تعرض في الصالات التجارية لوحات منسوخة بأسعار غير معقولة، وتتجاوز في أحيان كثيرة، أسعار لوحات العديد من الأسماء المعروفة، في رحاب فن الحداثة التشكيلية السورية.

من جهة أخرى يمكن القول: إن اللوحة التجارية أو الاستهلاكية قد انتقلت إلى العديد من الصالات الخاصة، خادمة هدفها في استخدام الفن كسلعة تمر عبر العلاقات العامة، وبريق الدعاية المزيفة، وهنا تصبح حسابات الربح والخسارة، بديلا للتوجه الروحي والجمالي والتربوي والثقافي.‏ والخلل الكبيرالذي أصاب صالات عرض الفن التشكيلي يكمن في بروز التفاوت الشاسع، في أسعار اللوحات بين صالة واخرى، حتى بالنسبة للفنان الواحد، بعض الفنانين الذين ينتمون الى الجيل الثاني او الثالث، تضع بعض الصالات على لوحاتهم أرقاماً غير معقولة، تتجاوز عدة أضعاف أسعار لوحات كبار رواد الحداثة التشكيلية من أمثال: نصير شورى و فاتح المدرس ومحمود حماد وأدهم اسماعيل وسواهم.‏

فسوق الفن عندنا، وبخلاف الأسواق الفنية العالمية، هو سوق خاضع لمزاجية تجار الفن ولضغط حاجة الفنان المادية، والمزاجية هنا تعني غياب السعر النهائي للعمل الفني، وغياب قدرة العمل على تكوين خط تصاعدي، لأنه عندنا في سورية، لا فرق بين المبدعين والفاشلين وتجار الفن، تلك هي الحقيقة، وتلك هي المشكلة.‏ هذا واقع مريع ومفجع يعبّر عن مدى المعاناة التي يعيشها الفنان الحقيقي، في ظل غياب الحماية الفعلية، وغياب الرؤى النقدية الموضوعية،التي يمكنها أن تتولى تحديد أسعار البيع الخاصة بأعمال كل فنان على حدة على عكس ما شهدته الحركة الفنية في أوروبا، التي نمت مع نمو حركات نقدية صحيحة وموضوعية.‏‏

مراهنات بين المستثمرين في مجال الفن‏

< في هذا الصدد يقول الفنان التشكيلي إبراهيم العواد:‏

إن تطور المجتمع يترافق وتطور الفنون عامة والتي تعتبر المعيار الثقافي للشعوب.. والفن التشكيلي هو الرسالة المباشرة لهذا المجتمع، والفنان التشكيلي هو المحرك الأساس في إنتاج هذه الرسالة بمشهدها البصري.‏

وعلى هذا الأساس كان التنافس بين الفنانين هو رهان الصعود والارتقاء بالمنتج لمقام الكمال في الفكر والحرفة, أما وقد دخل الاستثمار ورأس المال بقوة في فضاء الفن التشكيلي، فقد تحول التنافس من مكانه الطبيعي إلى مكان آخر، تحول معه جوهر التنافس إلى إرضاء أصحاب الاستثمار وصالات العرض،وهذا ما جعل المنتج الفني في حالات كثيرة مسطحات لونية متشابهة بالشكل والمضمون ومتغايرة في التوقيع، وهنا يمكنني القول إن التنافس يسير باتجاه المراهنة فيما بين المستثمرين، في هذا القطاع على صنع أسماء لا أكثر.‏

من الضروري على أي فنان تشكيلي الترحيب بأي استثمار في فضائه،ولكن من الضروري أيضاً أن لايسمح بتحويل الفن إلى سلعة استهلاكية رخيصة، تقّّيم حسب مساحته اوحجمها.‏

لنحافظ على روح التنافس المعقول والنزيه بعيدا عن تضافر إمكانيات المستثمرين وقوتهم الاقتصادية وخصوصاً إذا كان الهدف الفن وليس الاستثمار فقط.‏

في السنوات الأخيرة حدثت مفاجآت صادمة‏

< وعن العلاقة بين الفنان وصالات العرض الجديدة يقول الفنان والناقد التشكيلي عصام درويش صاحب صالة عشتار:‏

لم تحدث أي مفاجآت صادمة كالتي حدثت خلال السنوات الاخيرة، مع دخول استثمارات ضخمة وغير مسبوقة الى حقل تسويق الفن وجاء دخولها دفعة واحدة، وبسياسات ورؤى جديدة كليا، جرى معها احتكار فنانين بعقود ملزمة، ورفعت فيها وبشكل فوري اسعار الفنانين المحتكرين، باستخدام ألعاب خفة، ومؤسسات فنية دولية مشهورة، وفرضت أنماط واستبعدت انماط، كما سحبت عن فنانين، وسلطت على آخرين في لعبة لاتخفى إلا على المبتدئين، وهذا لم يبتعد عن الألعاب المعتادة في سوق الفن العالمي، التي كنا بمنأى عن الاكتواء بجنتها، بعد أن ظننا ولفترة طويلة انها لن تصل الينا ابدا، ولكن يبدو انها وصلت في النهاية ويجب علينا التعامل مع نتائجها.‏

ونشير أن هناك تجارب تشكيلية متواضعة ومتعثرة فنياً, قد تمكنت من الدخول في هذه اللعبة التسويقية، بدعم بعض الصالات الجديدة، على حساب تغييب عشرات الفنانين المعروفين والمكرسين على الساحة الفنية السورية والعربية منذ عقود. كما ان الفرصة باتت مهيأة لتغلغل المزيد من الدخلاء في عقود احتكار ومضاربات سوق اللوحة السورية وعلى نحو خطير ومريع ومفزع، لأنه من غير المنطقي أن تباع لوحات تجارية تستنسخ أعمال الآخرين، بينما تكسد أعمال لفنانين مبدعين يحتلون واجهة الصدارة عندنا على صعيد البحث الأسلوبي والتشكيلي والتقني.‏‏

فالاعتقاد الغالب لدى مجمل الفنانين أن معظم صالات العاصمة، لاتأخذ بعين الاعتبار تطور مسيرة الفنان بقدر ما تهمها مسألة التسويق والبيع،وهذا ما أدى إلى انغلاق العديد من التجارب الفنية،وساهم في ظهور موجة من الفنون الرديئة القانعة بمنطق القاعدة، بحيث أصبحت العديد من التجارب تدور على نفسها دون أن تنطلق إلى آفاق جديدة وبديلة.‏‏

‏فالطموحات التجارية تشكل الوجه الحقيقي للعديد من صالات العرض،لأن وضع الفنان أمام شروط وتمرير معرضه بشكل استعراضي يشكل سابقة في حياتنا الفنية،فالهدف كما يبدو هنا هو الربح السريع،دون الالتفات إلى الخط البياني التصاعدي الذي يكشف عن الجوانب الفنية والابتكارية.‏ وعدم ظهور سوق فني يروّج للأعمال الفنية الطليعية والحديثة، لا يمكن أن يفسر إلا في سياق الأزمة العامة التي يعيشها الفن التشكيلي عندنا، فتدني مستوى الحساسية البصرية أو انعدامها في أكثر الأحيان يساهم إلى حد بعيد بتراجع أو باضمحلال التجارب الفنية المحرضة على الابتكار والتجديد داخل إطار الحركة الفنية التشكيلية السورية،لأن العديد من الفنانين يتجهون بأعمالهم إلى تكريس الاستهلاكية، ولهذا عادت لوحات الطبيعة والأزهار لتأخذ موقعها وحضورها القوي في السوق الفني، مما يجعلنا وفي كل مرة نشعر أن العديد من الفنانين الذين أعطوا المشهد التشكيلي في مراحل سابقة، نفحة جديدة لتجارب لوحات المناظر والأزهار والعناصر الأخرى، هم الآن أكثر توجها وتفاعلا مع الأفكار السطحية والخارجية، حتى أن لوحات العديد من هؤلاء انتشرت على أرصفة محلات بيع اللوحات في سوق الشعلان، وبدأت تنقل وبدقة تفصيلية لوحات عالمية استشراقية، دون أن تحمل إمضاءات ناقليها أو مستنسخيها.‏‏

وما يزيد من حالات المراوحة والتكرار والترداد الذي يلبي متطلبات السوق الفني التجاري، هو أن بعض الصالات تكرر أسماء معينة، وتقيم لها معارض دورية سنوية، وهذه الأسماء هي الأكثر استهلاكية في سوق اللوحة الفنية التجارية.‏‏

كما بتنا نشعر وفي كثير من الأحيان وكأننا نشاهد وتيرة واحدة تشير على الأقل إلى غياب القلق الفني ورواج ما يمكن تسميته بمنطلق اللوحة الاستهلاكية التجارية.‏ وفي هذا المجال تبرز اللوحات الواقعية والانطباعية،التي ترصد جماليات الطبيعة والأزهار،في واجهة صدارة سلع الاستهلاك،التي تلبي متطلبات ديكورات الفيلات والشقق الارستقراطية،ولا تأخذ من الثقافة الفنية التشكيلية سوى سطحها المزيف بالبريق اللوني الانطباعي والغنائي والرومانسي.‏ بالطبع هذه الظاهرة تحول، دون تسويق الفن الجيد ودون اتساع الحوار بين الفنان والجمهور،وهنا تبرز مشكلة أخرى تكمن في عدم وجود بورصة فنية تتولى تحديد وتقييم عمل كل فنان عبر معطيات تجليات تجربته الفنية وقابليتها باستمرار لطواعية التغيير والتطوير.‏

(facebook.com(adibmakhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية