|
على الملأ أملاً بالمكافحة والعلاج، والوصول إلى مجتمعٍ ينعمُ بالصحة والعدالة والمساواة، وكان - بمنتهى البلادة - كلّي أمل بأن أصل إلى هذه النتيجة، لأنني آمنتُ خاطئاً بأنه لا يصحّ إلاّ الصحيح، وإذ بهذه الـ (إلاّ) بين الصح والصحيح، مُنزلقة بالخطأ إلى هذا المكان..! في العمل الصحفي آمنّا بالبحث عن الحقيقة لكشفها ومعالجتها، ورحنا نجول البلاد لاهثين وراء حقائق مخفيّة، واستطعنا بالفعل أن نكشف بعضها، وللأمانة اتُّخِذتْ الكثير من الإجراءات، عقوبات، وتنقلات، وتحقيقات، وتغيير إداراتٍ أحياناً، فكم كنّا نشعر بالنشوة والاعتداد بأنفسنا، والإيمان بعملنا، وقتما تتغيّر على أيدينا، أو من وراء ما كتبنا ونشرنا، إدارة هنا وأخرى هناك..؟ وتبدأ الإدارة الجديدة بنفسٍ إصلاحي جديد، حيث تتمسكن حتى تتمكّن، ثم تسبق التي سبقتها بفسادٍ أكبر، حيث تُحمّل الأخطاء على السابقة، وتعمل على نوعٍ من العلاج فعلاً، وإغلاق طرق الفساد من جهة، ولكنها من جهة أخرى تكون قد شقّت الطرق والزواريب، ومتاهات فسادٍ آخر أكثر خبرة من ذلك الذي انكشف..! المهم بعد هذه السنين كلها ازدادت الأخطاء أخطاء، والفساد يستشري بعزّة ورخاء، ولم نستطع أن نفعلَ شيئاً بكلّ صراحة، كنّا ونحن نتوهّم بأننا نكافح الفساد والأغلاط، نشهقُ ولا نلحق، دخلنا ضعيف، وتعويضاتنا شحيحة مؤلمة ومضحكة، وها أنا على وشكِ الختام، ولا يزال صرّاف العقاري يحلمُ شهراً، أن أُبقي بين جنباته ألف ليرة لشهرٍ قادم، هذا بالطبعِ مُحال، وليس فقط كذلك.. بل أختصر الكثير الكثير من لوازم الحياة وضرورياتها، حتى أستطيع وبصعوبة أن أُكمِلَ شهري. على وشك الختام، ولا بيت عندي، ولا سيارة، ولكن للأمانة استطعت شراء سيارةٍ بالتقسيط أيام العزّ والرخاء قبل الأحداث، ولكن العصابات الإرهابية المسلّحة، سرقتها من أمام المنزل، ووجدناها حُطاماً بعد حين. لستُ أدري كيف قضيتُ تلك السنين، ووصل بي المآلُ إلى هنا، في الوقت الذي استطاع خفير جمركي من حيّنا أن يُقيمَ قصراً قرميدياً رائعاً، يليقُ بأجملِ الأحلام، وسطَ بيّارة برتقالٍ مترامية الأطراف، وما شاء الله ها قد صار عنده الآن ثلاث سيارات، واحدة للعمل، وثانية للنزهات، وثالثة للمدام، ويقولون عنه بأنه دقيقٌ وشديد الانتباه، حيث يدرس الآن إقامة مشاريع استثمارية للمساهمة في إنعاش الاقتصاد الوطني، ولكنه يُصرُّ على دراسة الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع وضمان جدواها..! على وشك الختام وسأبقى أسأل نفسي: هل كان عليّ أن أكون دقيقاً شديد الانتباه كهذا الخفير يُطارده الفساد..؟ أم أن أكون هكذا أبلهاً أطارد الفساد..؟! |
|