|
ثقافة
ملتقطا ماهياتها من الواقع ومحاولا تصويبها وتقويم الاعوجاج ما أمكن للارتقاء بها إلى عالم أرحب وأفضل.. عبر أسلوب محبب وقريب من الناس.. وآخذا بالاعتبار الموازنة بين الموضوعية والمبالغة. وبهذا النفس قدم الكاتب باسم عبدو كتابه قبل وفاته إلى المطبعة المعنون (مفارقات في الكتابة الساخرة) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، الكتاب يحتوي على مجموعة من النصوص الساخرة المتعددة والمتنوعة في مضامينها ومراميها ففي كل نص حكاية يعالج من خلالها معضلة مجتمعية بأسلوب ساخر فيه تورية ظاهر الأمر يدل على شيء وباطنه يخفي أشياء أخرى وهذه هي جمالية النص الساخر الذي يأخذ القارئ من مايريد، وبالتالي يتيح للكاتب التخفي وراء هذا الأسلوب وتوصيل ما يريده إلى الجمهور كما جاء في نص (أولا.. رغيف الخبز). ومن قال لكم أيها العابثون بخبز الفقراء إن الرغيف لا يدخل في قاموس السياحة، وإن السياسة لا علاقة لها بالرغيف؟ ألا تعلمون إذا كنتم تقرؤون ديالكتيك الطحين أن السياسة والرغيف وجهان لوطن واحد، وشعب واحد، وإذا توفر رغيف الخبز على المائدة، يكون الوطن بخير، والجيوش بخير أيضا لأنها تزحف على بطونها، ومن السهل عندئذ تصويب البنادق والرشاشات (رشا ودراكا) إلى رؤوس الأعداء وقلوبهم، والهامات شامخة. الكتاب زاخر بالنصوص الأقرب إلى القص بأسلوب نقدي لاذع للعديد من الموضوعات الحياتية التي يعيشها المواطن السوري، والأعم الأغلب من هذه النصوص قد دخلت أعماق موضوعاتها برؤية منفتحة ومدركة للأبعاد كافة.. فتحت عند القارئ آفاقا واسعة لإدراك ما يرمي إليه الكاتب في كتاباته..لا بل أيقظت فيه حس المتابعة والبحث عن الجديد في الكثير من القضايا الحياتية التي تشغل باله على الدوام، فعندما يتحدث الكاتب عن رغيف الخبز ويقول: إن الرغيف والسلام والحرية ثلاثة أقانيم في مبخرة واحدة، لقديسين الصباحات المنداة برائحة الأرض الطيبة، ومن يصنع رغيفا من قمح الوطن فله أجر ومن يدافع عن لقمة الفقراء والكادحين فله أجران! وبعرق جبينك تأكل رغيفك. حمل الكاتب باسم عبدو الهم الوطني والقومي وتجلى ذلك في نصوصه لكنه تألم كثيرا لمن خدعوا بالديمقراطية التي يتغنى فيها الغرب.. وفكروا أن هذه الديمقراطية هي التي تنقذ البلاد والعباد من محنهم والمطبات والمصاعب التي يتعرضون لها ضمن بلدانهم، ولايعلمون أن ما يصلح في أمريكا وأوروبا لا يمكن تطبيقه في بلداننا العربية، وما الديمقراطية الغربية وفرضها على بلداننا إلا فخ ينصب لإلهاء العرب عن قضاياهم الأساسية وتبديد وقتهم وجهدهم عن التفكير بأي مشروع إصلاحي لشعوبهم، لننظر إلى ديمقراطية فرنسا كما جاء في نص - الديمقراطية - الكلاب فرنسا حصة من الديمقراطية أليس لهم الحق في أن يناموا على فراش الديمقراطية ويأكلون من ثمارها، لقد خصصت الحكومة الفرنسية فنادق لإقامة الكلاب أثناء قضاء أصحابها الإجازات بعيدا عن منازلهم، ويسلم صاحب الكلب إلى الفندق قائمة بأنواع الطعام المفضلة لكلبه! إذا كانت الفنادق الجميلة، المريحة،تخصص للكلاب، فمتى يحق للمرأة في بؤر التخلف أن تعطى بطاقة شخصية وأن يسمح لها بقيادة السيارة، وأن تتأبط ذراع زوجها على شاطئ البحر؟! ما يلفت النظر أن الكاتب إضافة لموهبته يمتلك ثقافة واسعة استطاع توظيفها حسبما أراد ووصل أفكاره بيسر وسهولة إلى قرائه. |
|