تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


.. وعادت لتتجرّع كأس الهزيمة!

شؤون سياسية
الأثنين 19-1-2009م
أحمد صوان

لم تستطع «إسرائيل» هذه المرة في حربها على غزة أن تضع «دستة» أو حزمة أهداف تريد تحقيقها جراء هذا العدوان الوحشي على أهلنا في القطاع

والسبب كما هو واضح يعود إلى الهزيمة النكراء التي مني بها جيشها في حربه على لبنان والمقاومة في الجنوب في تموز العام 2006 على اعتبار أن «إسرائيل» ما شنت الحرب على غزة إلا وكان تقرير فينوغراد الذي فضح التقصير والعجز والإحباط واليأس لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي ، إضافة إلى مسؤولية القيادتين العسكرية والسياسية في الكيان الصهيوني عن الهزيمة في لبنان قبل نحو عامين ونيف ماثلاً أمامها وبالتالي افتضح السجل الإسرائيلي بل وفتحت ملفات كثيرة أدت إلى سقوط قيادات ومسؤولين كان من أبرزهم رئيس الأركان الجنرال دان حالوتس ووزير الحرب عمير بيرتس وغيرهما من كبار ضباط الجيش.‏

بالطبع هذا الهاجس حكم بل وأطبق على أفواه كل من أولمرت رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الحرب إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، كما لجم رئيس الأركان الجنرال اشكنازي حين اتخذوا وعبر سلسلة اجتماعات أمنية مصغرة ومن ثم اجتماعات اقتصرت على الترويكا الإسرائيلية «أولمرت وباراك وليفني» قرارهم بشن الحرب على غزة أو لنقل الانتقال من الحصار إلى النار بعد أن فشل حصارهم وإغلاق المعابر، وقطع إمدادات الوقود والكهرباء والمواد الغذائية والأدوية عن كافة مدن وبلدات ومخيمات قطاع غزة، والذي دام زهاء عامين بعرضهما وطولهما واكتفى هؤلاء المتعطشون لسفك الدم الفلسطيني واستباحة المحرمات وتجاوز كل الخطوط الحمراء بالقول وعلى لسان ليفني إن «إسرائيل» تريد تغيير الوضع القائم في غزة والقضاء على حماس.‏

بهذا الهدف المعلن فقط بدأت الحرب وعلى لسان الإسرائيليين السياسيين والعسكريين وتم تحديد ثلاث مراحل لهذه الحرب على ألا تستغرق كل مرحلة ما بين 3 إلى 4 أيام الأولى: القصف وغارات الطائرات ، والثانية الهجوم البري، والثالثة التمركز والتمشيط وما إن تحركت وهدرت محركات القاذفات الإسرائيلية بالإغارة والقصف حتى سقط 600 ما بين شهيد وجريح، إضافة إلى تسوية مقرات رسمية ومبان ومنازل ومؤسسات بالارض إلا أن أهلنا في غزة ومنظمات المقاومة سرعان ما استوعبوا وفي اليومين الأولين هذه الوحشية الإسرائيلية التي انفلتت من عقالها وفاقت في مجازرها وجرائمها الممارسات النازية والفاشية إبان الحرب العالمية الثانية وتواصلت عمليات الإغارة والقصف إلى أن امتدت إلى ثمانية أيام ولم تتوقف بل ولم تنجز «إسرائيل» المرحلة الأولى من حربها فاندفعت إلى تحقيق المرحلة الثانية ومع هذا تواصل القصف وارتكاب المجازر بالغارات الجوية مدعومة بالغارات والقذف من البحر ومع تحرك الدبابات والآليات على اليابسة وبانقضاء ثمانية أيام أيضاً على المرحلة الثانية دون أن تحقق «إسرائيل» أية نتيجة من وراء هذا العدوان لا على الأرض ولا على المستوى السياسي، وجدت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية نفسها في عنق الزجاجة وفي مأزق كبير بل وفي هزيمة نكراء فيما إذا أقدمت دون أن تضمن أي جدوى من المرحلتين الأولى والثانية في عدوانها على البدء بتنفيذ المرحلة الثالثة وهي التمركز إلى حد أن الدبابات الإسرائيلية لا تستطيع أن تتخطى أكثر من أمتار قليلة الحدود ثم تعود أدراجها إلى خارج حدود قطاع غزة، وفي الوقت نفسه لم تنقطع صواريخ المقاومة على المستعمرات والبلدات الإسرائيلية إلى حد أن الصواريخ أصابت قواعد عسكرية إسرائيلية على بعد50 كيلو متراً من قطاع غزة، ما أدى إلى زيادة تكاليف الحرب العدوانية الإسرائيلية بالطلب إلى زهاء مليون إسرائيلي النزول إلى الملاجئ وتوقف الحياة العامة في المدن والمستوطنات والبلدات المستهدفة بصواريخ المقاومة إضافة إلى ظهور ما يطلق عليه في المعادلات الاستراتيجية والسياسية توازن الردع والرعب في الداخل الإسرائيلي.‏

بمعنى آخر إن صمود وصبر أهلنا في غزة وما استخدمته المقاومة وكافة الأذرع المسلحة الفلسطينية في القطاع من تكتيكات جديدة في مواجهة الهجوم البري الإسرائيلي والاستمرار ودون انقطاع في إطلاق صواريخ المقاومة ،ذلك كله أوجد حالة من الفزع لدى الإسرائيليين وحالة من التحسب والخشية فيما إذا استمرت عليه هذه الأوضاع من المواجهة المفتوحة في قطاع غزة وفيما إذا ظلت المقاومة الفلسطينية محتفظة بإرادتها العالية وكذلك شعبنا في غزة بصبره وقدرته على التحمل فإن «إسرائيل» مهزومة لا محال، وقد كتبت بخط يدها بقذائفها وغاراتها ومجازرها وحربها الوحشية هذه الهزيمة لجيش لم يعد قادراً على الصمود أمام بسالة وشجاعة المقاومين في غزة، كما كان عليه الحال تماماً أمام شجاعة وبطولات المقاومة في لبنان.‏

ودلالة هذه الهزيمة تبرز في أن «إسرائيل» التي تواضعت كثيراً في تحديد أهدافها المعلنة من هذه الحرب بالقضاء على حماس وإيقاف صواريخ المقاومة لم تستطع أن تحقق أي شيء مما أعلنته، في حين بقي ما أخفته من أهداف في طي النسيان وهي أهداف خطيرة وربما تكون أكبر مما هو معلن فالمقاومة باقية والصواريخ لاتزال مصوبة إلى المستوطنات والمدن والبلدات الإسرائيلية حتى ولو سوَّت القاذفات الأميركية الصنع والغارات الوحشية على أهلنا في غزة المباني بالأرض وسفكت الدماء وبشكل خاص دماء الأطفال والنساء والمدنيين بمجازر غير مسبوقة وعادت «إسرائيل» لتتجرع كأس الهزيمة والمرارة إلا أنها تمكنت من تحقيق هدفها العنصري بالتشفي من غزة وبارتكاب المجازر والقصف الذي امتد إلى المساجد والمشافي والمدارس.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية