تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفكرون فرنسيون: إنهــــا خيانــــة المـثقـفين..

عن لوموند
ثقافة
الأثنين 19-1-2009م
ترجمة مها محفوض محمد

أمام المشهد المأساوي لجثث الأطفال الممزقة والعائلات المبادة والأرض المحروقة في غزة يبدو صمت أدعياء حقوق الإنسان في فرنسا غير مفهوم ولا يمكن احتماله.

لقد رأيناهم يستنفرون قواهم من أجل الشيشان ومن أجل البوسنيين وهذا شيء جيد لكن لماذا يصمتون أمام هذه المذبحة اليومية التي تنفذها «إسرائيل» بحق الأهالي المدنيين في فلسطين،؟ لماذا لا ينددون بالحماسة الإنسانية نفسها وبصحوة الضمير نفسها الأعمال الإجرامية للجيش الإسرائيلي في غزة.‏

هل مئات القتلى من المدنيين وآلاف الجرحى الفلسطينيين هم كائنات دون..؟‏

أولاً ينتمون إلى هذه البشرية العزيزة على قلوب المثقفين؟ فيكون التعامل بهذا الشكل مع حملة العقوبة الجماعية هذه والتي راح ضحيتها الأبرياء دون مبالاة أحد والأخطر من ذلك تلك التصريحات التي يطلقها أصحاب العبارات المنمقة والتي تلقي بالمسؤولية على الضحية كما المجرم إنهم يماثلون بين القتلة وبين الذين يموتون بالمئات.‏

هذه الأسئلة التي نطرحها اليوم ليعلم الجميع أنها ليست نابعة من مؤيدين لقضايا التطرف أو من داعم للإرهاب أو ممن يستهلكون قضية العداء للسامية بل ليعلموا أننا نناضل من أجل تعايش سلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين ورغم ما تتهم به حماس فهي لم يكن لديها الوقت لتحويل غزة إلى جحيم كما يدعون «فإسرائيل» ومصر بتواطؤ ناشط مع الولايات المتحدة هيؤوا جميعاً لهذا المصير المؤلم خلال عدة سنوات كما فعلوا مع العراقيين قبل سقوط صدام حسين فوضعوا نحو مليون ونصف المليون شخص فلسطيني ضمن ما يشبه الحجر الصحي لتصبح غزة سجناً مفتوحاً إلى السماء فقط وهذه العبارة صرح بها حرفياً ستيفان هيسل (أحد محرري إعلان حقوق الإنسان العالمي) وحتى إنه لم تعط أي فرصة لقادة حماس للتفاوض مع العدو.‏

التنازل الوحيد الذي قدمته «إسرائيل» تحت إلحاح مصري هو توقيع هدنة لستة أشهر مع حماس مقابل رفع الحصار بشكل ضئيل ومراقب وحتى هذا القليل لم تحترمه «إسرائيل» ولم تفك حصارها ولم تخفف هذه المحنة على أهل غزة وهل نقض الهدنة يشكل سبباً كافياً «لإسرائيل» للشروع في هذه الحرب الظالمة ضد شعب أعزل.‏

حول هذا الموضوع يقول الفيلسوف الفرنسي المعروف مونتيسكيو: «إن حق الناس الطبيعي قائم على مبدأ تنصاع له جميع الأمم ألا وهو أن نقدم كل ما نستطيع من إمكانات لخير الشعوب أثناء السلام أما في زمن الحرب فعلينا أن نخفف قدر الإمكان أعمال الشر»، بينما «إسرائيل» فرضت في زمن السلام حصاراً جائراً وغير إنساني على غزة وفي زمن الحرب استخدمت قوة جيشها الجبار ضد مدينة غزة حيث لا تتردد في قتل خمسين مدنياً مقابل واحد من حماس كما أنها مستعدة أن تقتل سكان غزة جميعهم للوصول إلى هدفها فهل هذه هي العدالة وهل هذه هي الأخلاق؟.‏

المفكر أندريه كلوكسمان يرى أنه يوجد تفاوت كبير بين الخطيئة المرتكبة والعقاب المنزل.‏

«إسرائيل» تستخدم جيشها المدجج بالسلاح لذبح المئات من الفلسطينيين بحجة أن حماس أطلقت بعض الصواريخ البدائية الصنع والتي لم ينتج عنها إلا جرح بعض الأشخاص وبعض الخسائر المادية التي لا تذكر، أليس ذلك تفاوتاً كبيراً؟.‏

يقول الفيلسوف اليوناني ايشيل: إن المبالغة تنتج ثمرة الخطيئة وحصادها لا ينتج عنه إلا الدموع فليس هناك ما يبرر تلك الوحشية التي لا تترك وراءها إلا الدمار والحقد وتخلف الكثير من الأشخاص المستعدين أن يهبوا أنفسهم للموت وكما قال إميل زولا:‏

من يود بشكل صادق أن يقيم دولة لا يعمل على دفعها بشعور وطني مبالغ فيه بل عليه أن يقول الحقيقة كما قال عدة مثقفين مثل تزيفانتن دوتوروف وجدعون ليفي اللذين يدعوان لقول الحقيقة مهما كلف الثمن وهذا ما كان يردده دائماً هوبر بوف ميري مؤسس صحيفة اللوموند وقد سبق للمفكر ريمون آرون أن قال: إن «إسرائيل» عرفت دوماً كيف تربح الحرب لكنها دائماً تخسر معارك السلام «ولم يكن على خطأ» فهذا ما أكده مصير اسحق رابين الذي رضي عنه الإسرائيليون عندما ربح الحرب لكنهم قتلوه حينما كاد يربح معركة السلام.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية