|
آراء أو لعلنا كنا مبعثرين أمام ريح الشقاء وعاصفات الظلام كأوراق تناساها خريفها، وأيُّ فصل آخر لم يردها في أوراقه وأشواقه.. مرت بنا أوقات بؤس وانحطاط وهلاك، وجدنا فيها أحلامنا مهدورة وسعينا الى الحسرات، كشحاذين يستعطفون ويستجدون بسمة أمل وقامة أمنيات تشقُّ صفوف الخيبات.. كنا بلا حبٍّ أو تفاؤل كبير وكانت تجرنا الأوجاع الى حيث حانات اليأس وفتنة الدوار الركيك.. هاجس واحد واعدٌ وغيمات رؤى تطلع من جهات الروح، تبشر سفح البال باخضرار قريب.. وأين القريب وأين اخضرار مهيب وقدّامنا يأسٌ عجيب مريب وحولنا ووراءنا الأسف الرهيب؟؟! وسط حشد من النكسات والخشيات والمخاوف جاءت الأرض يتقدمها نشيد اخضرار الرّبا والسفوح، وجاء وجدٌ تعرّى من مهابات الخديعة والدلال المريض، وجاءت رؤى، ليس يشبهها اليباس، وجئنا بعد آلاف المآسي والخرائب.. من جديد ألّفنا الدم الفصيح، وأنجبنا بلاغات التراب.. حديثاً صرنا مؤلفين بين دفتي كتاب الموت المتحدي.. الموت الصاعد الى أعالي الأغصان والراسخ في أوجع أوجاع الجذوع وهتافات الينابيع، التي لا تقول تلال كلامها إلا وقت الشدائد والضائقات الحالكة... أعادنا الدم الفاتح الى أول الأسئلة وأعلى العناوين، وشدّنا من عذاب الاختناق والهلاك والفجائع.. وزّعت قوى الهمجية مخافر موت ودكاكين فجائع وبنوك يأس: عند كلّ أرض موت، وعند كلّ حلم خوف، وعند كل مطلع رؤيا ورؤية بائع يائس.. البشعون لا يوزعون إلا الفجائع والخديعة.. ولهم قدرة عاتية على إنتاج اليأس.. بشعون وفجائعيون وتجار خدائع وهلاك ودمار، وبنوكهم لا تجود بغير اليأس والفتك والتشويه... ما أقبحهم وما ألعن وجودهم، الذي تصحبه التفاهات، وتحرسه الفجائع.. الانسان منتج سعادة وصاحب أقدم مصارف الحب ودكاكين الألفة وأشياء الحياة وأنواع الوجد.. والهمجيُّ منتج مأساة وبشاعات، وصاحب بنوك الكراهية ومستودعات الحقد ولعنات الموت وأسوأ أنواع الحنين والاشتهاء. الهمجية مرض يلاحق المصابين بالزكام الروحي، ويظلُّ يلاحقهم وينتشر في رؤاهم، فيصيرون وحوشاً بشريين ينهبون سعادة من يرون، ويقتلون البهجة ويطعنون الأماني أين تكون.. الدم مؤلف يجمع المبعثرين، ويؤلفهم في كتاب المقاومة والتحدي وعناد الخراب، والتمرد على قوانين البشعين، والتصدي لأمراضهم الفتاكة.. كنا مبعثرين وتحت رحمة خريف الهمجية العصرية، وكنا موتاً يتلوه موت الى أن جئت وألفتنا في كتاب من أرضٍ وهتافات اخضرار... |
|