تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خيار الشعوب

محطة
الإثنين 19-1-2009م
د. خلف الجراد

من أتيحت له فرصة القراءة المتعمقة لتاريخ الإرهاب الصهيوني، لن تدهشه وقائع الإبادة الجماعية والمحرقة الرهيبة، التي يُنفذها الجيش الصهيوني العنصري المتوحش بحق غزة وسكانها المدنيين الأبرياء، وحجم الضحايا الهائل من الأطفال والنساء والشيوخ. فـ«إسرائيل» قامت أساساً على المجازر الجماعية، المنفذة بأيدي عشرات العصابات الصهيونية الإرهابية، والاستيطان على حساب التهجير القسري الجماعي لمعظم أهل فلسطين، وإجلائهم بالقوة والتدمير وحرق المزارع والقرى والمنازل.. وغير ذلك من ألوان الإرهاب الصهيوني.

والحقيقة أنه لا يمكن فهم أبعاد الحقد الصهيوني وعنصرية قواته العسكرية، ووحشيتها تجاه الشعب العربي الفلسطيني، ما لم تتم العودة إلى المنابع والمصادر والمرتكزات، التي تقوم عليها وبها الفلسفة العنصرية الصهيونية، المنطلقة من عقلية استعلائية حاقدة، ذات مرجعيات اسطورية زائفة، تتجلى في الفكر الصهيوني المعاصر، عبر جماعات وأحزاب ومؤسسات وقادة وزعماء سياسيين أو عسكريين.‏

ومعلوم أن معظم المنظمات الإرهابية الصهيونية (مثل «الهاغاناه» و«شتيرن» و«أراغون» و«بيتار») ارتكزت إلى فكر جابوتنسكي الفاشي - الاستئصالي، القائم على الإرهاب المسلح والعنف والقتل، والتهجير الجماعي كوسائل «عملية» لتحقيق المشروع الصهيوني على أرض فلسطين بأكملها.‏

بل إن أشمير المنظّر الآخر «للحركة الصهيونية التنقيحية» يرى أن موسوليني، هو أكبر عبقرية سياسية عرفها عصره. وجاراه في هذه النزعة الفاشية الشاعر الصهيوني المعروف زفي غرنبرغ، الذي أعلن بوضوح وصراحة مطلقة: «أن كل نظام جديد في التاريخ ثبّت نفسه انطلاقاً من تدمير أعدائه، ومعيار التغيير الوحيد هو كمية الدم المراق في سبيل ذلك». وإن ما يجري اليوم من تدمير شامل لغزة، وإبادة جماعية لأهلها، وسفك وحشي لدماء أبنائها الأبرياء، ليس إلاّ محصّلة طبيعية «لثقافة» صهيونية متوارثة، قائمة على العنصرية، والعنف، والتفاخر بالإرهاب، والسلوك الهمجي المؤسساتي.‏

لقد توصل الباحث الأمريكي باري بليخمان نتيجة لدراسة ميدانية قام بها في عام 1970 تحت عنوان «الآثار المترتبة على الانتقامات الإسرائيلية»، واستناداً إلى المقابلات الشخصية مع مقترفي الجرائم العنصرية الصهيونية إلى أن «الانتقام هو سلوك قومي إسرائيلي.. وأن إسرائيل تعد الانتقام موقفاً شرعياً لا غبار عليه، بل ترى فيه «واجباً» و«التزاماً أخلاقياً» و«حقاً مطلقاً» من حقوقها التي لا تخضع للقوانين الأخرى، مهما كان مصدرها وغاياتها».‏

أما «الأخلاقيات» العسكرية الدائمة لقادة الجيش الصهيوني العنصري، فإنها تلك الواردة على لسان بطلهم التوراتي «النموذجي» يشوع بن نون، الذي أوصى قادته الميدانيين بقوله: «وحين تقرب مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير، ويستعبد لك، وإنْ لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الربُّ إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء، والأطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة تغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاها الربّ إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هذه الامم هنا، وأما مدن هذه الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما».‏

لقد اقترفت «اسرائيل» مئات المجازر والمذابح الجماعية في فلسطين ولبنان والجولان وسيناء ، وقابلت دعوات العرب المستمرة من أجل السلام العادل والشامل بمزيد من العدوان وغطرسة القوة و التوسع والاستيطان والحصار، وفوتت جميع فرص السلام ، متذرعة بشتى الحجج والأكاذيب والمزاعم، في حين الأمر في جوهره يعود إلى التناقض التام بين نزوع العرب الطبيعي إلى السلام من ناحية والإيديولوجيا الصهيونية التوسعية - الاحلالية والعنصرية من ناحية أخرى.‏

وقد أشار السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته القومية الشاملة أمام «مؤتمر غزة» المنعقد في الدوحة يوم الجمعة الماضي 16 كانون الثاني إلى «أنه كلما أمعنَّا في تقديم البراهين على رغبتنا الجادة في السلام.. وكلما قدمنا المزيد من التنازلات،.. أمعنت اسرائيل في غطرستها وتجاهلها لحقوقنا المشروعة»، وأضاف سيادته:«إن شارون قتلها منذ اليوم الأول بعد إعلاننا لهذه المبادرة في القمة العربية في بيروت عام 2002 .. في اليوم التالي مباشرة قام شارون باجتياح جنين .. وقتل المئات من الفلسطينيين ..وكان هذا الرد المباشر وإعلان موت للمبادرة من الجانب الاسرائيلي».‏

قادة الكيان الصهيوني وزعماؤه كافة: بيغن، رابين، شامير، دايان، غولدامائير، شارون، موفاز، بيريز، باراك، نتنياهو، أولمرت ،ليفني.. وغيرهم، يتنافسون في سحق العرب وقتل أكبر عدد منهم، وإنزال الذل والإهانة بهذه الأمة العربية العريقة في تاريخها وحضارتها وقيمها، بل يعملون بكل قواهم على إبادة الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه، لتصبح فلسطين خالصة لليهود وحدهم وقادرة على استيعاب الملايين منهم، ممن تعمل الصهيونية على جلبهم إلى فلسطين العربية المحتلة.‏

ويمثل النائب الصهيوني (في «الكنيست») ووزير الشؤون الاستراتيجية السابق وزعيم حزب «اسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان نموذجاً للتفكير العنصري الاستئصالي الخطير، المتجذر في هذا الكيان الاجرامي، حيث يقول:«إن على اسرائيل أن تحارب حركة حماس في قطاع غزة بالطريقة نفسها التي حاربت بها الولايات المتحدة اليابان خلال الحرب العالمية الثانية»، أي أنه يدعو «اسرائيل» إلى تدمير غزة وإفنائها بقنبلة نووية.. هذا هو«المنطق» الذي تربى عليه الصهاينة ويؤمنون به ويفكرون بتنفيذه فعلاً عندما يحين الوقت المناسب لذلك.‏

ولكن: إذا كان العرب عملوا كثيراً من أجل السلام العادل والشامل، وقابلهم الصهاينة بالرفض والعدوان المستمر والتدمير والقتل والإهانات، فهل عليهم التفريط بالحقوق والتنازل عن أرضهم وكرامتهم، وترك أشقائهم الفلسطينيين يتعرضون للإبادة الجماعية المنتظمة والمتعاظمة؟!.. أم علينا الانتظار إلى أن تحدث معجزة فيتحول الصهاينة العنصريون بصورة مفاجئة إلى محبين للسلام والعيش بوئام مع أهل المنطقة وثقافتهم وحضارتهم وقيمهم الانسانية الرفيعة؟!.. خلافاً للإيديولوجيا الصهيونية العنصرية، وطبيعة هذا الكيان الغريب ـ الشاذ، واستراتيجيته العدوانية، الاستيطانية ، الإحلالية - الاستعمارية؟!!‏

لقد قال القائد العربي بشار الأسد في أحد مؤتمرات القمة العربية: «السلام العادل والشامل الذي اعتمده العرب خياراً استراتيجياً ، يجب ألا يكون خياراً وحيداً ، وإلا فإن ذلك يعني الانتحار»‏

إن أمتنا تملك خيارات لاحدود لها.. ولاشك أن المقاومة الشاملة تشكل أبرز هذه الخيارات وأعظمها وأقواها وأشرفها على الإطلاق.‏

kh-aljarad @hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية