تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف تساهم أميركا في بناء المستوطنات

شؤون سياسية
الأربعاء 18-8-2010م
حكمت فاكه

يحتل موضوع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة أهمية خاصة بالنسبة لأي اتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني شامل، قد يتم التوصل إليه في المستقبل .

والحقيقة، أنه سبق لعدد من الإدارات الأمريكية أن نددت بالاستيطان الإسرائيلي باعتباره عملاً غير شرعي، ويشكل حاجزاً أمام السلام. لكنها في الوقت نفسه، لم تكن على استعداد للضغط على إسرائيل كي توقف نشاطها الاستيطاني .‏

وقد دعمت إدارة أوباما التزامها بتحقيق تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بمقاربة من شقين تقوم على إعادة التأكيد بحزم أكبر على الموقف الأمريكي التقليدي المتمثل في أن المستوطنات مخالفة للقانون وتمثل عقبة أمام السلام، إضافة إلى مطالبة إسرائيل علانية بوقف جميع أنشطتها الاستيطانية. وفي هذا الإطار، قال أوباما في خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر أيلول الماضي : « إن أمريكا لا تعترف بشرعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية» . وبعد إعلان حكومة نتنياهو المتحدي في آذار الماضي عن مخططات لبناء المزيد من المستوطنات أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل ، جاء رد الفعل الأمريكي قوياً وغاضباً، حيث دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو إلى «أن يدرك أن أمريكا اعتبرت الإعلان مؤشراً سلبياً جداً إلى المقارنة الإسرائيلية للعلاقات الثنائية».كما أعلن أوباما أن «وقف المستوطنات والحرص على وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة» سيخدم كلاً من المصلحة الإسرائيلية والأمريكية على المدى الطويل .‏

وخلال مؤتمر صحفي في رام الله في آذار الماضي، تحدث بان كي سمن، الأمين العام للأمم المتحدة عن الطابع غير الشرعي للاستيطان حيث قال: « إن العالم يندد بمخططات توّسع الاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية.. ولنكن واضحين إن جميع الأنشطة الاستيطانية غير شرعي في أي مكان من الأراضي المحتلة ويجب إيقافها ».‏

ولكن في اجتماع بالبيت الأبيض بين أوباما ونتنياهو الشهر الماضي، كان موضوع المستوطنات غائباً بشكل لافت للنظر عن تصريحات نتنياهو وأوباما. بل على العكس، أغدق أوباما المديح على رئيس الوزراء الإسرائيلي . لكن وثيقتين تم نشرهما الشهر الماضي سلطتا الضوء بقوة على الاستيطان وقدمتا معلومات غير عادية حوله .‏

الوثيقة الأولى، هي عبارة عن دراسة لصحيفة نيويورك تايمز، أبرزت الدور الذي تلعبه أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في تمويل وصيانة المستوطنات نفسها التي تعتبرها السياسة الأمريكية غير شرعية، حيث أظهرت الصحيفة السجلات العامة في أمريكا وإسرائيل ووجدت أن 40 منظمة أمريكية على الأقل قدمت خلال العقد الماضي 200 مليون دولار من التبرعات المعفاة من الضرائب لمساعدة اليهود للعيش في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما يعوق بشكل فعلي قيام دولة فلسطينية .‏

هذه الحقائق التي تم الكشف عنها دفعت بلوبي جي ستريت- الأمريكي اليهودي الذي يقدم نفسه على أنه مؤيد لإسرائيل وللسلام إلى دعوة وزارة الحزانة الأمريكية لفتح تحقيق لمعرفة ما إذا كانت المنظمات التي تمول الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وتلك التي أشير إليها في تحقيق نيويورك تايمز باعتبارها على علاقة بمنظمات يهودية من اليمين المتطرف تصنف في خانة المنظمات الإرهابية من قبل أمريكا، قد خرقت القانون .‏

وفي هذا الشأن أيضاً، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحقيقاً بعنوان » كيف تساهم أمريكا في تمويل جنود الجيش الإسرائيلي المؤيدين للمستوطنين؟» أفاد بأن منظمة تدعى « فريق إنقاذ البلد والأرض» تعرض مبلغ 1000 شيكل عن كل يوم يمضيه جندي إسرائيلي في السجن، بسبب رفضه الامتثال لأوامر ترحيل المستوطنين وإخلاء المستوطنات . الجدير بالذكر هنا أن فريق « انقاذ البلد والأرض» هو منظمة غير ربحية مسجلة تتلقى تبرعات من منظمة توجد في أمريكا معفاة من الضرائب .‏

أما الوثيقة الثانية التي نشرت أيضاً في الشهر الماضي، فتقدم معلومات مفصلة حول الاستيطان، وهي عبارة عن تقرير أعدته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسليم» ويشير إلى أن هذه الأخيرة اعتمدت على بيانات إسرائيلية رسمية وخرائط «الإدارة المدنية» ووثائق الجنرال- باروتش شبيغل لإظهار أن قرابة نصف مليون إسرائيلي. «يعيشون وراء الخط الأخضر : أكثر من 300 ألف في 121 مستوطنة ونحو مئة مستوطنة عشوائية» تسيطر على 42 بالمئة من الضفة الغربية والبقية في 12 حياً في أراض محتلة قامت بضمها بلدية القدس .‏

ويشير تقرير « بتسليم » أيضاً إلى أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية تقوم على مقاربة ذرائعية خبيثة تجاه القانون الدولي، والتشريعات المحلية والأوامر العسكرية الإسرائيلية، من أجل سرقة الأرض من الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل منظم وممنهج.‏

والشيء الأكيد أنه لا يمكن أن تكون ثمة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في سلام وأمن مادام انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني مستمراً بلا هوادة . وقد كان أوباما محقاً عندما شدد على ضرورة أن «تحترم إسرائيل المطالب والحقوق الشرعية للفلسطينيين»‏

لكن هل تفعل إسرائيل ذلك؟ هذ السؤال جوابه لدى نتنياهو .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية