|
كتب
بأسلوب منهجي علمي تحليلي منظم ، يتناول تاريخ دمشق ونقودها ، ويتوجّه إلى ريفها المحيط بها لينبش كنوزه من النقود والمسكوكات التي فيه ، بهدف توثيقها وتحليلها ، وتبيان حركة التداول النقدي فيها ، وشرح أنواع العملات التي تمَّ تداولها في هذا الإقليم ، وهي تعكس لنا التاريخ بدقة وتسجّل أحداثه التاريخية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والدينية . تشير الوثائق التاريخية إلى أن « بطليموس» زعيم القبائل الإيتورية كان قد دفع إلى القائد « بومبيوس » ألف ( تالانت ) فضي للتقرب منه ، فعيّنه أميراً على « خالكيس » ومنحه ألقاباً ملكية مكّنته من بسط نفوذه على جبال لبنان والمناطق الواقعة جنوب سورية ، وبقيت دمشق عصية على الإيتوريين ، بسبب مقاومة سكانها ، وطلبهم نجدة الملك النبطي الحارث الثالث ، الذي لم يتوان عن مساعدتهم، فدخلها عام 85/84 ، وأكد زعامته عليها ، من خلال إصداره العملات البرونزية في دار ضربها . لقد زودتنا تلك المسكوكات بمعلومات تاريخية مهمّة حول مملكة الإيتوريين ، وكذلك عن حكامها ، الذين جاؤوا بعد « بطليموس » ، فقد اعتلى الأمير « ليسانياس» سدّة العرش بعد وفاة والده بطليموس في سنة 40 ق.م. غير أنه لم يتمكن من المحافظة على كامل ممتلكاته ، التي أضحت بيد كليوباترا ملكة مصر . التي قدمت إلى مدينة دمشق أثناء عودتها من « أفاميا » بعد لقائها ماركوس أنطونيوس . وتكريماً لها أصدرت دمشق على شرفها وحدات نقدية برونزية تذكارية عدّة مرات. ونقش اسم «فلافيا خالكيس » على النقود البرونزية الصادرة بعهد «دوميتياتوس» في العام 92 م ، تكريماً لها ، واستمراره على الإصدارات النقدية حتى عهد « تراجانوس» 98/117 م. وبذلك تكون المدينة أول دار ضرب في المنطقة المحيطة بدمشق غرباً . تشير دارسة النقود الدمشقية إلى أن دار ضرب دمشق قد توقفت عن عملية الإصدار النقدي في الفترة الواقعة بين عهدي « تيبريوس ونيرون » 37 – 54 م، ويعود السبب إلى تواجد سلالة الملك النبطي الحارث الرابع 9 – 14 م بدمشق، حيث اعتبر وريثاً ملكياً على المنطقة غير أن الامبراطور « نيرون » تمكن من استعادة دمشق ، واستأنف عملية إصدار النقود البرونزية في دار ضربها . وفي عهد « تراجانوس » أصدرت بصرى دمشق التي أصبحت عاصمة له ، في هذه المناسبة نقوداً حملت عبارة الولاية العربية ، مّا أكسبها امتيازاً شرعياً يجيز لها إصدار المسكوكات البرونزية والفضية . هذا إلى جانب إصدار أنطاكية كميات كبيرة من النقود البرونزية للامبراطور « تراجانوس » ، بقصد تنشيط عملية التداول النقدي في سورية ، وتشجيع التجارة بين مدنها الداخلية . وتشير اللقى النقدية أن إلى الامبراطور « سبتيموس سيفيروس » كان يصدر كميات من القطع النقدية الذهبية والفضية ويوزعها على جنده وشعبه ، بحسب عدد سنوات حكمه ، وذلك لتخليد ذكراه بهذا السخاء . وكان هو و زوجته جوليا دومنا يزوران القدس «إيليا كابيتوليا» وقد حفظت « إيليا كابيتوليا » هذه المناسبة على نقودها الصادرة بين عامي 209 – 211 م . فحملت نقش الامبراطور والامبراطورة . ومنح الامبراطور «كركلا » مدينة دمشق لقب المستعمرة الرومانية ، ومنحها أيضاً حقّ الإصدار النقدي من معدني الفضة والبرونز ، وأعاد تمركز الفرقة السادسة بالقرب من دمشق ، ويؤكد ذلك ظهور نقش على المسكوكات الصادرة عن دار ضرب دمشق ، والتي حملت العبارة اللاتينية ( ميزارتا 16 : EG Ferrata VI ) . وعندما تآمر القائد العسكري « اوبليوس ماكرينوس » على الامبراطور «كركلا» واغتاله ومن ثم تربّع على العرش في العام 218 م ، أصدر في مختلف دور الضرب السورية كميات كبيرة من العملات الفضية والبرونزية على شرفه وشرف ابنه «ديادومين قيصر» وقصد من ذلك نشر الدعاية السياسية بأنه أصبح امبراطوراً، غير أنه لم يدم طويلاً في الحكم ، إذ استعادت النساء السوريات الحمصيات العرش الروماني من جديد ، ونصبن “ هليوجبال “ إله الشمس ، حيث أكد هذا الامبراطور لمدينة دمشق مكانتها المدنية من خلال الضرب فيها . وممّا يجدر ذكره هو نمو الخطر الساساني ، الذي بدأ يتصاعد منذ العام 226 م ، وبعد تسلّم « أردشير الأوّل » السلطة ، وقد نجم عن ذلك عدة معارك بين القوتين : الرومانية والبيزنطية على الحدود الشرقية واعتلاء « فيليب العربي » السلطة ، حيث بقيت مدينة دمشق في عهده محتفظة بلقبها كمستعمرة رومانية ، وقد أشارت المشاهد المنقوشة أو المصورة على لوحات الفسيفساء المكتشفة في شهبا أو الإصدارات النقدية ، التي حملت على مركز الظهر نقشاً كتابياً يونانياً أو لاتينياً يذكر بلقب دمشق المستعمرة الرومانية . كما تابعت دمشق عملية الإنتاج النقدي البرونزي وأصدرت مسكوكات تميزت بحملها على مركز الظهر الربة « تيكا » إضافة إلى حملها نقوشاً أخرى من عهد الامبراطور « فاليريانوس » جسّد بعضها عالم الطب أو الألعاب الرياضية . خلال عملية فتح الإسكندر المقدوني لمدن جنوب سورية ، أرسل قائد جيشه «بارمينيون » على رأس قوة من الفرسان للاستيلاء على مدينة دمشق ، وقد عيّن القائد « بارمينيون» وآلياً عليها، فأمر بإصدار نقود فضية في المدن السورية التي سيطر عليها ، دلّنا على ذلك كمية النقود المكتشفة والصادرة عن المدن السورية التي سكّت في مدينة صيدا ثم في عكا ، أضف إلى ذلك الكنز الفضي الذي اكتشف في جزيرة « فيلكة » بالكويت ، تألف من عملات فضية صادرة عن دور ضرب دمشق . ومن الأهمية الإشارة إلى أن دمشق قد أصدرت دراخمات فضية على شرف الإسكندر ، بينما حمل مركز الظهر نقشاً للإله « زيوس Zeus » ، جالساً على العرش مسنداً يده اليسرى على عصا ، ويده اليمنى وقف عليها نسر ، كما نقش اسم دمشق ، وخلف الإله زيوس اسم الإسكندر الكبير . وكذلك حملت المسكوكات السلوقية الصادرة عن دار ضرب دمشق ، نقش الإله « حدد » الدمشقي واقفاً بين ثورين ، كما حملت نقود أخرى على مركز الظهر نقش الإله « زيوس » جالساً على العرش ، يرافقه في الجهة المقابلة رمز محلّي يجسد رأس ومقدمة كبش ، يرمز للإله « زيوس». زودتنا النقود بمجموعة مهمة من المعلومات التي تشير إلى الوضع السياسي في سورية خلال تلك الفترة والوضع العسكري والاقتصادي ، كما أكدت الدراسات على وجود نظام خاص لتصريف العملة . وقدّمت لنا المسكوكات مشاهد للآلهة اليونانية كالإله زيوس وأبولو ومويسنيوس وأثينا وهرمس ، إضافة إلى نقش الربّة «أتارجاتيس » « عشتار» الدمشقية ، مرتدية ثوباً حرشفياً ، إضافة إلى تجسد الإله «حدد »واقفاً بين ثورين ، وبعد فترة نرى رموزاً تجريدية لـ « حدد » وقرينته «عشتار» على النقود الدمشقية ، كالقمر والشمس . كما أظهرت « عشتار أو أتارجاتيس » على النقود الدمشقية بهيئة « تيكا » التي تقلدت رموز « عشتار » وخصائصها ، وقد تمّ تمثيل إله نهر بردى تحت قدمي الربة “ تيكة “ ثم ممدداً على جانبه الأيسر . كذلك ساهمت المسكوكات الدمشقية بالتعرف على صفات الأباطرة وأبنائهم والألقاب التي تقلدها الأباطرة الرومان . أضف إلى ذلك أن النقود الدمشقية قد أكدت وجود الألعاب الدمشقية وبيّنت النقود استخدامها للتقويم السلوقي ، بينما اتبعت مدن أخرى تقويم استقلالها كمدينة صيدا التي تؤرخ استقلالها من السيطرة السلوقية . - نتاج المسكوكات وتداولها في دمشق وريفها - د. خالد نواف كيوان - وزارة الثقافة – المديرية العامة للآثار والمتاحف – دمشق - عدد الصفحات 400 صفحة ؛ 24 سم. |
|