تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نصوص العدالة الباردة!

كل أربعاء
الأربعاء 18-8-2010م
سهيل إبراهيم

يصبح سيف العدل ليِّناً وناعماً كالحرير حينما يقترب من عنق إسرائيل، وتصبح نصوص العدالة الدولية عمياء عندما تدلها أصابع الحقيقة نحو الجريمة

الإسرائيلية، وتقدم لها الوقائع الجامدة على طبق من الفضة، فلا سيف العدالة شُحذ يوماً لعقاب إسرائيل، ولا نصوص العدالة الدولية كُتبت يوماً كي تُوظف في قياس حجم الجريمة الصهيونية التي يمتد حبلها في فضاء الشرق الأوسط منذ عقود طويلة، دون أن يبادر العالم إلى اقتيادها إلى محاكم العدل!‏

الوجود الإسرائيلي بحد ذاته أبصر النور بنصوص دولية باطلة، وأدوات باطلة، وتواطؤ دولي ضرب عرض الحائط بكل نصوص العدل، وولادة الكيان الصهيوني على التراب الفلسطيني كانت ولادة قيصرية سالت فيها دماء كثيرة، وتطوعت لزرع الروح فيها أمصال ومشارط دولية، لم تغادر غرفة العمليات حتى اطمأنت إلى سلامة المولود المصطنع وقابليته للحياة، ونمو أطرافه الفولاذية، وقلبه الهجين، وعقله العنصري المغلق على الحقد والكراهية والولع بإشعال الحروب وسفك الدماء!‏

هي البذرة الشيطانية التي زرعها الغرب الاستعماري في حقولنا، وسقاها من مياهنا العذبة، وسمَّدها بعملته الصعبة، وأفتى بشرعيتها بقرارات دولية تسابق على إمضائها محفل دولي ملوث بعقدة الهولوكست، خارج من حروب أممية طاحنة أحرقت عواصمه، وفضحت معدن الإنسان فيه، وبياناته الملفقة عن حقوق الإنسان ومبادئ الحرية والعدل، محفل دولي لم يبصر على خارطة الشرق العربي يومها سوى منابع النفط الواعدة، واحتياطييها المخزون في باطن الرمل، والذي لن توفر له السيطرة عليه والاستئثار بكنوزه سوى قاعدة حربية متقدمة، عائمة على السلاح الحديث، أنيابها وأظافرها مكتنزة بمخترعات الدمار الشامل!‏

ولكي تكبر هذه البذرة الشيطانية، وتتسع حقول زرعها، كان لا بد للجريمة من أن تكبر معها، ولسيف العدل أن يبقى في غمده، ولنصوص العدل الدولية أن تدخل ثلاجة الأمم المتحدة، ولا تخرج منها إلا حين تلوح الفرصة لعقاب العرب، وعقاب الضعفاء في عالم الأقوياء المتغطرسين، كل خطوة خطتها إسرائيل على طريق توسعها، كانت ترتكب جريمتها في وضح النهار، جريمة لا تحتاج إلى بصمات وأدلة وقرائن إثبات، وفي كل مرة كان جبابرة الأرض يفرشون فوق رأسها عباءاتهم، ويزينون جريمتها بمساحيق الدفاع عن النفس!‏

لجان تحقيق كثيرة تشكلت أو كادت تتشكل على مدى أكثر من ستة عقود، للنظر في بصمات وقرائن الجريمة الصهيونية، لكنها طوت أوراقها قبل أن تفتحها واختفت خلف حائط النسيان، منذ اغتيال الكونت برناديت على أيدي عصابات الهاغانا إلى اغتيال شهداء أسطول الحرية الأتراك التسعة مروراً بسفر طويل من الحروب والمذابح والاغتيالات وأعمال القرصنة، من كفر قاسم ودير ياسين إلى جنين وقانا الأولى والثانية، ومن اغتيال أبو جهاد في تونس إلى اغتيال المبحوح في الإمارات، لم ينتفض سيف العدل مرة واحدة ليطول العنق الصهيوني، ولم تثبت نصوص العدل الدولية صدقيتها، فتخرج من ثلاجة الأمم المتحدة لتلاحق المجرم الصهيوني وتقتاده إلى محاكم العدل!‏

وظيفة إسرائيل بيننا هي أن تعاقبنا دون ذنب، تلك الوظيفة التي لا تحتمل أن تنال إسرائيل عقاباً من أحد، حتى على جريمتها الموصوفة بالأدلة والقرائن الثابتة، فكيف حين يكتنف الغموض جريمتها ويمر عليها الزمن، ومن هي تلك المحكمة الدولية التي سوف تستجمع شجاعتها وتومئ بإصبع الاتهام نحو إسرائيل، ومن هو ذلك القاضي الذي سوف يتسلح بالنصوص وشهود الإثبات ليسمي مجرماً صهيونياً باسمه، حتى ولو كان وجدانه القانوني من العدل المصفَّى، طالما أن إسرائيل وجدت لتعاقبنا، لا لتنال العقاب!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية