|
تحقيقات صحيفة (...) ستتأخر في إرسال المئة دولار عن المقال الفلاني حتى شهرين آخرين, ومجلة (...) تتأخر لشهور طويلة عن دفع الاستكتاب, على أية حال فلنترك الأمر يا ولد حتى يدبرها المدبر, في زحمة كل ذلك تدخل مقهى الانترنت الكائن في زاوية الشارع, منذ مدة لم تفتح البريد الالكتروني, ربما هناك رسائل من الأصدقاء أو شيء آخر. لديك 95 رسالة غير مقروءة, تمر عليها سريعاً بسبب زحمة العناوين التي تتعلق بالجنس والحسناوات اللواتي هيئن خصيصاً لك أيها العربي, فتبدأ بحذف رسالة (Gary) و (Fox), فقد صرت تعرف مضمون الرسائل من عناوينها, تشطب الرسائل الواردة تباعاً دون فتحها, سواء تلك التي تشك بحملها فيروساً الكترونياً يدمر بريدك الالكتروني, أو تلك التي تحتوي (فيروس روحي), يدخل عن طريق براعة النساء الجميلات اللواتي خصصن أنفسهن لإمتاع عينيك مجاناً, هكذا بلا مقابل, واللواتي (يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به), وفي طريق الاستكشاف في هذا تستوقفك رسالة كتب في عنوانها (انتبه) -بالانكليزية طبعاً- تفتحها وتقرأ (Dear winer) أي (عزيزي الرابح) لأول مرة تخاطب بالرابح, فأنت الخاسر عادة. تقرأ مضمون الرسالة: (عزيزي لقد ربحت ضمن سحب اللوتو الالكتروني مبلغاً وقدره 5.5 ملايين دولار, هذا السحب المرعي من قبل السيد بل غيتس, وسلطان بروناي وعدة محسنين عبر العالم) تفكر ملياً وتعيد القراءة لمرات عدة, هل من بين المحسنين أثرياء عرب, تسأل نفسك, لا أعتقد, تجيب نفسك فنقود هؤلاء لم تأت يوماً إلي ومن المعروف إلى أين تذهب, تترجم الرسالة مستعيناً بصديق, وتبدأ رحلة الأحلام التي تتخللها أسئلة عدة, ماذا لو أنهم يريدون اصطيادي, تشغيلي كعميل مثلاً, خصوصاً وأنني في دمشق, وهم يتوقون في هذه المرحلة إلى مثل هذه العلاقات الديمقراطية مع الشعوب, وتستبعد ذلك بعد أن يرسلوا في الرسالة التالية سبعة عشر إسماً من دول عدة أنا السوري الوحيد من بينهم, أميركيون وبريطانيون وكنديون وواحد في العراق والإمارات والسعودية وسوداني, أرجو ألا يكون أحدهم قد أصيب بجلطة إثر تلقيه رسالة ربحه للملايين!. إذاً فالمسألة نظيفة, بدليل أنهم في الرسالة الثالثة أرسلوا صورة عن شهادة الربح في اليانصيب وصورة شيك بنكي باسمي شخصياً بقيمة الجائزة وصادر عن بنك (British Crystal Bank), موقع وجاهز للصرف باسمي. هنا يذهب الخمر ويأتي الأمر, تتدبر مئة دولار لتفتح حساباً بالعملة العالمية وترسل المعلومات, رقم الحساب والهاتف وما إلى ذلك, فتنتظر, تستغل وقت انتظارك فتبدأ بالترتيب لحياة جديدة قوامها 5.5 ملايين دولار, ثلاث مئة مليون ليرة سورية, يخيفك مجرد نطق الرقم, وتبدأ التفكير بوصفك مستثمراً وهي المرة الأولى التي تستخدم هذا الجانب من خلاياك الدماغية, تستيقظ ليلاً لأن فكرة ما قد طرأت فجأة, مشروع ثقافي ضخم, جوائز للمبدعين الجدد, تفكر بذلك كما يفكر كل المثقفين السطحيين من أمثالك, وكأنك لا تعرف إلا الخسارة على الرغم من تسميتك مؤخراً بالرابح. في الرسالة الأخيرة, أمر مدهش حقاً, فبعد أن أرسلت رقم حسابك البنكي, تكتشف بأنهم لايريدون ذلك وإنما مبلغ 1300 دولار أميركي كأجور بريد واتصالات يجب إرسالها قبل استلام الشيك, بالطبع فأنت لا تملك هذا المبلغ, تفكر في الاستدانة, ثم تطرأ عليك تغييرات سيكولوجية تجاه الموضوع برمته, ليهبط مستوى الثقة بالعملية كلها, لماذا لا يقتطعون من الملايين هذا المبلغ التافه, تقول في نفسك, وترسل لهم ذلك, فلا رد يأتيك بعدها, إلى أن تخطر ببالك فكرة, لتقول : وجدتها, إلى السفارة البريطانية في دمشق, فالبنك بريطاني والجائزة لديها إدارة ومكتب في لندن, بأرقام هاتفية صحيحة!, إذاً فلتسأل في السفارة. يالهذه السفارة التي تعطل ثلاثة أيام متتالية, تحج إليها في اليوم الرابع بعد نفاد صبر, يوقفك رجال الأمن, لو سمحت أريد مقابلة أحد المسؤولين في الأمور الاقتصادية, أعني البنكية تحديداً, حسناً انتظر قليلا هنا لا تتحرك (رجل الأمن من أرخبيلنا) ترتاح لذلك, ثم يعود إليك بعد لحظات, اتصل على الرقم التالي (...) تتصل لترد عليك فتاة بالعربية ذات صوت جميل, تتفاءل بلهجتها اللطيفة, ما هو الموضوع? تسألك, الحقيقة أنني ربحت مبلغاً في اللوتو, وتسرد المعلومات بطلاقة وكأنك تخضع لامتحان شفهي, تستشعر أثناء حديثك سخرية الفتاة عبر هناتها المتواصلة خلال حديثك, تخبرك بأسلوب عربي صريح الجائزة غير موجودة, وهؤلاء نصابون, وبريطانيا سفارة وحكومة ليست مسؤولة عنها, تحاول إيهامها بأنها تسرعت في الإجابة فالعنوان هو(...) ترد عليك بطلاقة وسخرية ومرارة وربما شفقة, كثيرون من قبلك تعرضوا لذلك, تغلق الهاتف وتمضي وخلفك مئتا متر من ذيول الخيبة. لست رابحاً إذاً, ولم أكن يوماً كذلك, لذلك أرجو أن لا يخاطبني أحد بعد اليوم (Dear winer). |
|