|
كتب لها أعاده إلى مساءلة بدهيات ما كان ليقف عندها لولا حالة الخسارة القاسية التي ألمت به, هكذا راح وعلى امتداد نصوص يهجس بها بجنون ضارعا مرة , ومهلوسا مرة اخرى دون أن يحدث شيء وسط غرفة الكتابة - الزنزانة وذلك لانعدام القدرة على الفعل, من هنا ستكون الأحلام بمثابة المقاومة المضادة والوحيدة التي يحسب لها فضل إبقائه على قيد الحياة. الكتابة وحدها الملاذ لاخيار ولا بديل فالخيارات والبدائل خارج جغرافية السجن والشاعر السجين لن يجد غيرها كي يحس بحضوره الإنساني في فضاء الغياب القسري. ( مرايا الغياب) توصيف دقيق للحالة لأن القصيدة بهذا المعنى معاينة بذات الشكل الذي يتيحه اللوح الصقيل هي فعلا مرايا كل قصيدة مساحة لتحسس الذات ,التمري إصغاء تام لما ظل يحتفظ برطوبة الحياة مقاوما التلف والانعطاب, يقولون ( لا أعلم أين ) إن العذاب الأكبر للسجين يكون في وضعه ما بين فترة واخرى قبالة المرآة حتى يشعر بفداحة الزمن وفوات سنينه من خلال انعكاس صورة ليرى العلاقات الدامغة غضونا وشيبا بالمثل تكون اللغة مرآة, لكن إطارها سيكون أوسع وصورتها أدق وذات طبقات تشمل الأبعاد الداخلية كما الخارجية: ( جميع الشروخ و الأخاديد التي ترونها على الجدران حفرتها عيوني وهي تحدق فيها منذ سنوات لا جدوى من حسابها)ص.12 الشعر في ( مرايا الغياب) نابع من حاجة ملحة إلى التعبير, إلى قول الذات, إلى التأكد من أن الجسد يتحرك دون اقتراب من مضمار التكنيك والبحث عن أسلوب مختلف, إنه المتح من الشائع المتاح والمتوفر السهل, والاكتفاء بفكرة ( قل كلمة وامش) بلا رغبة في خوض مغامرة ربما يقع هذا الخيار في الحيز العملي لحاجة السجين إلى تفحص ذاته عبر تأملات متمحصة وإطلاق هذيانات خاصة, إلا أنه لا ينتقص من قيمة النص, ذلك الأسلوب المباشر ما دام لم يعن الإخبار والتقرير وأتى محملا بالأشياء على بساطتها, على طريقة رياض الصالح الحسين القائلة ( بسيط كالماء, واضح كطلقة مسدس). في مجموعة فرج بيرقدار ( جاء اسمه على الغلاف خطأ فرح) سؤال الحرية اللحوح يعيدنا إلى المشكلة القديمة التي شخصها عبد الرحمن الكواكبي في ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) لننظر وبكثير من المرارة والحسرة إلى حال هذا العالم المغالي في بهرجة تطوره, ناهضا متقدما, وعلى هامش ذلك لا تزال الجرائم ترتكب بحق الرأي الحر وكأن الزمن السائر إلى الأمام قدما لا يستطيع إنهاء صلاحية تلك الوحشية, لكن العالم سيظل حلم شاعر يهلوس ويهذي. |
|