تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صالح علماني ... احذروا التقليد

كتب
الأربعاء 15/2/2006م
رائد وحش

كتب صالح علماني, ذات مرة, زواية في هذه الصفحة, تحدث فيها عن أن المترجم

قارىء بدرجة أولى, تحت عنوان : ( أن تكون مترجماً), يومها قرأت العبارة بتشويش ذهني تام هكذا : أن تكون مترجماً يعني أنك صالح علماني !!‏

ربما كان ذلك مبرراً لأن الاسم ظل بطاقة كفالة, تضمن حق القارىء في نص ممتع, ولأن صاحبه لعب دوراً حيوياً في تأسيس ثقافتنا, وما هو فريد في الأمر تجلى في أن ذوقه الشخصي كان حجر الأساس فيه استطاع ترتيب قارة كاملة تمتد طويلاً على خطوط الطول, وعرضاً على خطوط العرض, تشمل بذلك أدب اللغة الإسبانية, ما بين شعوب مختلفة .‏

ذوقه , بالمعنى الحسي طبعاً, كان قطارنا و مازال بين محطات تكاد كل منها أن تكون عالماً بذاتها و على خط هذا الفردوس كانت لنا حرية الاختيار بين سحرية ماركيز, و منازل السيدة إيزابيل أليندي, ونقدية الأستاذ ماريو بارغاس يوسا ...الخ‏

كان عمل علماني مهمة رائعة لمجتهد كل همه اكتشاف مزيد من الكنوز على طريقته الخاصة في البحث و التنقيب, أما حصتنا من الكنز, فهي الكنز كله وبلغتنا الأم أيضاً.‏

يقول ألبرتو مانغويل : ( الترجمة تطرح ضرباً من عالم مواز , زماناً و مكانا آخرين يتكشف فيهما النص عن معان أخرى ممكنة و غير معتادة مع أن هذه المعاني ليس لها كلمات خاصة بها إذ توجد في أرض حدسية لم يطأها أحد, واقعة بين لغة الأصل و لغة المترجم).‏

في تجربة علماني مايؤكد أهمية حدوس المترجم, عبر وصوله إلى مناطق خفية ومضمرة, يعيد إنتاجها بروح تناسب اللغة العربية, فالمترجم, حسب تجربته, ليس مجرد ناقل أمين, أي هو محض رجل قاموس وحسب, كما أنه ليس خائناً أيضاً, حيث قادت هذه الفكرة إلى اجتهاد البعض في الحذف والإضافة كيفما شاؤوا, لاكيفما يقتضي الحال.... المترجم , تقول تجربة علماني, المبدع القادر على الولوج في مخيال النص, والتسرب فيه, والمعين على ذلك ثقافة ورؤية أبعد من حرفية إتقان اللغتين .‏

حيث جرت عملية إعادة لترجمة ( الكتاب المقدس ) في عهد الملك جيمس الأول استغرقت أربعة أعوام , كان اشترك فيها حوالي (49) مترجماً , لتصدر ,بعد رحلة شاقة وعمل مضن ٍ, الطبعة الموثوقة في اللغة الانكليزية , مصدرة بالعبارات التالية كخلاصة لتلك التجربة : ( الترجمة هي أن نشرع النافذة , لكي نتيح للنور أن يدخل,أن نكسر القوقعة كيما نأكل نأكل اللب, وأن نزيح الستارة , فنرى المكان المقدس, وأن نرفع الغطاء حتى نجد الماء ....).‏

في تلك السطور مايعبر عما يتوجب على المترجم , أولاً وعما يجب أن تكونه عملية الترجمة, دائما, وفيها أيضاً مايقارب حقيقة عمل علماني الذي أنصفه قراؤه, منذ صار لديهم ماركة مسجلة ( على مستوى النص ) وشعارهم المعلن : احذروا التقليد ! وأيضاً منذ جعلوه عراباً,لابالمعنى اللغوي فقط, بل بالمعنى الروحي ( على مستوى الشخص) مع أن ظهوره الإعلامي معدوم , أو يكاد .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية