تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«وللساعات أسرار أيضاً»

معاً على الطريق
الخميس 20-12-2012
لينا كيلاني

نسمع بالساعات ونعرف ماهية كل منها سواء الرملية، أو العادية، أو الالكترونية، أو الرقمية، أو غيرها كما نعرف كيفية التعامل معها، ولكننا إذا ما سمعنا عن الساعة البيولوجية سألنا أنفسنا هل نعرف ماهيتها فعلاً،

أو كيف تعمل أو نتعامل معها؟ قد يقول أحدنا نعم أنا أعرف ساعتي البيولوجية، وأستطيع أن أجعل منها مؤقتاً استخدمه بمواقيت تغنيني عن أي ساعة أخرى، وهذا أمر صحيح يمر به أي منا عندما يوقت نفسه للصحو في موعد محدد وإذا به يفاجئ بذلك الصحو وتقريباً في موعده ليسكت بالتالي صوت المنبه قبل أن ينطلق بجرس الإيقاظ. أمر غريب فعلاً.. ولكن هل يستطيع أحدنا أن يتحكم بالتالي بوظائف أخرى للساعة البيولوجية؟ بالطبع لا.. فللساعة البيولوجية أداؤها الذي لا نستطيع التحكم به لأنها ليست كغيرها من الساعات التي نعرفها فهي ذات آلية خاصة بها تعمل وفق نظام يرتبط بعوامل البيولوجيا، والبيئة، والمؤثرات المختلفة التي يتعرض لها الإنسان ضمن ظروف وشروط معينة.‏

وكما الطبيعة في انسجامها بعضها مع بعض تقع الكائنات الحية في دائرة لابد أن تكون منسجمة فيها مع هذه الطبيعة فالساعة البيولوجية لا تستطيع أن تعمل بمفردها دون توجيه من الطبيعة في أوقات تقع بين النور والظلام في إشراق الشمس أو غيابها وحلول الليل وانتهائه. والمثير للاهتمام في عمل هذه الساعة البيولوجية أنها هي التي تنبه الجسم للزمن، وتجعله يرتبط به في إيقاع حياته ومسارها، بل هي التي تتحكم في أمزجتنا بين انشراح وانقباض حسب مواقيت النهار أو الليل فهي التي تجعلنا نشعر بساعات النهار والليل، ونتقلب في تفاعلنا مع الضوء والظلام بالتالي، وكأنها تعود بنا الى الفطرة السليمة بأن ضوء النهار إنما هو للصحو والانتعاش والتفاعل مع الحياة.. والليل هو للسكون والهمود والخلود الى النوم والأحلام.. وحتى ذواكرنا هي من ضمن حسابات الساعة البيولوجية أيضاً.‏

لكن وظائف تلك الساعة الخارقة تكاد لا تحصى وهي في دقتها وتوازنها كأنها تقوم بدفع مسار الجسم في حياته انطلاقاً من البداية حتى النهاية، وهي تقع على الحدود ما بين الحياة والموت. ساعة عجيبة وغريبة تسير بنا في غربة أجسادنا عما يحيط بها من عوامل ومؤثرات خارجية لتجعلنا نتأقلم معها فنعيش بتوافق معها.. وهي أي تلك الساعة تعرف برنامجها جيداً فهي تنشط أو تتراجع بحسب سنوات العمر وهو يمضي بنا نحو مصائرنا.‏

والمواعيد تكاد لا تغيب عن الساعة البيولوجية فهي التي تعرف متى يبلغ الجسم سن نضوجه فتعلن عنه، وهي التي تعرف برنامجنا اليومي بمواقيته بشكل دقيق للغاية، فتنبهنا الى النوم، والصحو، والطعام والشراب، والنشاط والاسترخاء، وغير ذلك الكثير.‏

وهي إذ تضبط الجسم على أوقات معينة قد تضطرب في نظامها بين أجزاء الكرة الأرضية إذا ما سافر أحدنا بين هذه الأجزاء فانتقل مثلاً من شمال الى جنوب أو بالعكس، ونظل في هذه الحالة تحت تأثير نظام الساعة البيولوجية المضطرب فهو المرتبط بالمكان الذي غادرنا الى أن تنظم نفسها بنفسها من جديد حسب شروط المكان الجديد الذي أصبحنا نعيش به، أما مظاهر اضطرابها فهي لا تخفى في السلوك والحالة النفسية للشخص.‏

والجهد الذي تبذله الساعة البيولوجية بشكل بسيط في الحل والترحال فهو يتضاعف، أو يصل الى الذروة في أحوال أخرى كتغيير نظام الحياة بين العمل والعادات اليومية، وخاصة إذا كان العمل ليلياً وبين المنافي والسجون المظلمة عادة والتي تحرم الإنسان من متابعة ساعته البيولوجية فإذا بها هي التي تعطيه الإشارات لا أكثر.‏

وكما الكون في انسجامه بين أجزائه يسير في مواقيته حسب ساعات لا هي بيولوجية ولا هي رقمية وإنما هي ساعات لها حساباتها الخاصة فكذلك الإنسان يسير في دربه وساعته البيولوجية تنظمه، وتجعل له مواقيت تنسجم في النهاية مع إيقاع الكون الذي هو منه وله.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية