تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من أسامة إلى زكريا تامر ( للطفل ما يستحق من الفرح)

ملحق ثقافي
17/11/2009
ماهر عزام

حدثان بارزان في المشهد الثقافي العربي على علاقة وثيقة، وإن بدت بسيطة للبعض، فوز الأديب الكبير زكريا تامر بجائزة ملتقى القصة القصيرة العربية في القاهرة مؤخرا،

وجاء في تقرير لجنة منح الجائزة برئاسة الناقد جابر عصفور: أن زكريا تامر تمكن من المزج بصورة بديعة بين الثابت والمتغير في عالم القصة واحتفظ بعين على القواعد الأساسية وأخرى على التجريب، مبتكرا من النماذج البشرية ما يعيد للأذهان أعمال تشيكوف وموباسان، كما تبنى فن السخرية منهجا فاستطاع خلخلة الأرض تحت أقدام الجبارين. وأعطى تامر جانبا من اهتمامه لقصص الأطفال فحقق أنشودة البساطة.‏

أما الحدث الثاني فهو إصدار مجلة أسامة عددا خاصا بمناسبة يوم الطفل العالمي الذي يصادف في العشرين من الشهر الجاري.. وللتذكير فقط.. فقد كانت مجلة أسامة التي ترأس تحريرها وأسسها الكاتب الكبير زكريا تامر احتضنت أولى كتاباته للأطفال، حيث نشر معظم قصص مجموعته الاولى «لماذا سكت النهر؟» في مجلة أسامة بداية سبعينات القرن الماضي.‏

واستطاع من خلال وجوده في رئاسة التحرير أن يعطي المجلة هويتها المميزة، وذلك عبر العمل على الابتعاد عن القصة الوعظية التي وسمت معظم نتاج تلك المرحلة..تلك القصة التي تستعلي على الطفل وتنمطه في قوالب وتفرض عليه المعنى ذا الأفكار المسبقة على طريقة الواقعية الجدانوفية..أما قصص زكريا تامر فقد أخذت القصة إلى مكان آخر حيث تحترم الطفل وتقدر حبه للفن وحاجته لنص جميل، دون أن يكون ذلك على حساب الفائدة..إنما يخلط المتعة بالتعلم عبر تركيبة سرية قلما نجح فيها قاص عربي..‏

زكريا تامر شيخ شباب القصاصين العرب وغير العرب..يحمل على كتفه الأيمن ثمان وسبعين سنة، وعلى كتفه الأيسر مئات بل آلاف النصوص القصصية يقف وسط المشهد الثقافي العربي ممسكا مطرقة الحداد القديمة، التي باتت على شكل قلم، منتظرا قرنا آخر ليأتي من يستحق حمل اسم «زكريا تامر الثاني» ليبادله النكات اللاذعة..‏

العدد الخاص من مجلة أسامة ذكرنا بزكريا تامر مثلما ذكرتنا جائزة القصة القصيرة لتامر بمجلة أسامة..‏

في هذا العدد تنبع الخصوصية من كون رئيسة التحرير القاصة رباب هلال نأت بكل ما يكتبه الكبار للصغار، وتركت المساحة مشرعة للأطفال فجاءت المجلة بصفحاتها الأربع والأربعين جميعا مكتوبة ومرسومة بأنامل الأطفال أنفسهم..بدءا من صورة الغلاف والافتتاحية وحتى الصفحة الأخيرة..فكل ما عملته هو المفاضلة في ما بين النصوص وفي ما بين الرسوم، مع المحافظة على تبويب المجلة قدر المستطاع.‏

و»أسامة» إذ تحتفل بيوم الطفل العالمي على هذه الطريقة إنما تترك الأطفال يحتفلون بعيدهم على طريقتهم وبلغتهم دون وصاية..‏

وللتذكير فقط فإن يوم الطفل العالمي أوصت به الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام1954 واحتفل العالم به يوم إعلان حقوق الطفل العام 1959 وكذلك بمناسبة توقيع اتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة العام1989.‏

أما يوم الطفل العربي فقد اعتمدت جامعة الدول العربية والمنظمات المتفرعة عنها يوم استشهاد الطفل محمد الدرة في الثلاثين من أيلول عام ألفين هو عيد الطفل العربي..‏

في هذا العدد الخاص نشرت مجلة أسامة النصوص الفائزة بمسابقة وزارة الثقافة بمناسبة يوم الطفل العالمي ففي الشعر نقرأ لابراهيم مزهر11سنة وعمر سعيد 8سنوات..أما القصص فلمايا سلمان 11سنة وسارة كريم 12سنة وراما أبو معتوق14 سنة.‏

ونقرأ عن قصص نجاح لأفراد في الموسيقا كعازف البيانو السوري المقيم في الولايات المتحدة مالك جندلي.. وهو انموذج مشجع للأطفال الباحثين عن مستقبل مشرق يمكنهم ان يصنعوه بانفسهم..وهناك عرض لتجارب مجموعة من الأطفال الذين يعملون في التقديم التلفزيوني كمذيعين في برامج الأطفال..حيث يراهم الأطفال ولا يعرفون كيف وصلوا إلى هذه الخبرة..المجلة توضح بشكل غير مباشر ان حب العمل والإخلاص له والجرأة في إقتحام المجهول يمكن أن يكون أولى طرق النجاح وتحقيق الأماني.‏

يكشف عدد مجلة أسامة الخاص حجم الحاجة لأن تصبح هذه المجلة شبه الشهرية «دوريتها النظامية نصف شهرية» اسبوعية لأن في سورية طاقات لدى الأطفال إذا ما وظفت بالشكل المناسب فإنها قادرة على أن تصدر مجلات يومية أيضا..بينما لا يطبع من أعداد مجلة أسامة سوى عشرة آلاف نسخة تقريبا هي غير كافية لتجمع سكني واحد فكيف بالمدن والمحافظات..وهذا العدد ثابت منذ سنوات عديدة، ودورية الصدور غير منتظمة..الأمر الذي يفسح في المجال لدخول مجلات وافدة تغمرها رائحة ثقافة البترودولار..‏

وكل من لديه اطفال يعاني من إيجاد مجلة مناسبة لطفله وهذا هم حقيقي لمن يريد لأبنائه أن ينشأوا بشكل سليم فإذا كان في وزارة الثقافة ومجلة أسامة كادر يحمل على عاتقه تقديم المناسب فلماذا لا تكون الرسالة قابلة للتعميم على كل أطفال سورية..فمجلة أسامة من أقدم مجلات الاطفال في الوطن العربي إن لم تكن أكثرها عراقة على الإطلاق «تأسست عام 1968»..‏

ومن بين المفارقات التي تكشفها مجلة أسامة عن غير قصد هي أن مرتجعاتها تكاد لا تذكر وتقترب من الصفر بينما بعض مجلات وزارة الثقافة الأخرى تكاد مبيعاتها لا تذكر! فإذا أردنا أن نصحح المشكلة الثانية بتسويق مجلات وزارة الثقافة الرصينة والمحترمة علينا بالإفادة من تجربة مجلة أسامة ونشرها على أوسع نطاق، حيث من المعروف أن زرع عادات القراءة وتحويلها إلى واجب شخصي يتأسس في مرحلة الطفولة.. أما أن نحرم مليوني طفل من مجلة مخصصة لهم ثم ندينهم عندما يصبحون شباباً بأنهم جيل لا يقرأ فهذ ظلم كبير.!‏

وقد حافظت مجلة أسامة على تقليد قديم هو تقديم كتاب هدية مجانا مع العدد «سعر العدد10 ليرات» وكتاب هذا الشهر هو مجموعة قصصية للأطفال بعنوان «الطيران الأول» للكاتب السوري الراحل عبدالله عبد. وهذا التقليد من شأنه استدراج الاطفال إلى تاسيس مكتبتهم الخاصة، وهذا عمل تستحق وزارة الثقافة ومديرية ثقافة الطفل التحية عليه..‏

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر.. فإن مهمة تنمية ثقافة الطفل ليست على عاتق وزارة الثقافة وحدها، إنما المعني الأكبر بهذا الأمر،على صعيد المؤسسات، هي وزارة التربية..ما نأمله ان يتم تشبيك عمل المؤسسات في الوزارتين بحيث تقوم وزارة التربية عبر مطابعها بطباعة ما يحتاجه التلاميذ من نسخ – طالما أن إمكانيات مطابع وزارة الثقافة تقف عند العشرة آلاف نسخة- وهذا يحقق توزيعا يصل كل تلميذ دون أن يحمّل وزارة الثقافة خسارة مادية إضافية..‏

لأن أطفال سورية يستحقون أن تصلهم مجلة محترمة..وكل عام وأطفال العالم بكل خير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية