|
ملحق ثقافي وانظر إلى الكلمات التي خطّها رجل متمّرس في عملية النقد على غلاف المجموعة : «عندما تقرأ «دمشق الحرائق» حتى ولو كنت تقرأ زكريا تامر لأول مرّة، لا بدّ أن تشعر أنك أمام كاتب متمّرس وفريد، وأنك أمام مجموعة متنوعة من الرؤى والأساليب تحطم وهمة التكرار لتحل محلّها وحدة الأسلوب وتناغم الرؤيا، وعالم «دمشق الحرائق» سرعان ما يسيطر عليك، ويحتويك بما فيه من جوع وفقر وقهر : يحاصرك برعب تضيع فيه البراءة والحب في ظل الموت، عالم يشد على خناقك فلا تملك إلا أن تطلق صرخة الاستقالة وإلا أن تتمنى الرحيل إلى البحر إذ تكتشف أن مدينتك ملأى بالرايات السود وقبور الموتى والمشانق». وفعلاً فقد نقل زكريا تامر القصة السورية، وبعضاً من العربية، من الإنشائية الفضفاضة إلى الألم والحرمان والخوف من ا لحصار والرعب، فلا نملك إلا أن نقفز ونمسك بأيدي بعضنا لنقول لكل الذين فعلوا هذه الأشياء توقفوا. في كتاب الصف الثالث الثانوي الذي كنّا ندرسه قديماً، كانت هناك قصة للمؤلف زكريا تامر، ولم نكن ندري من هو زكريا تامر، قرأناها، وأعجبنا، وتأثرنا بها، كانت هذه القصة «مدرسة «لتعليم كتابة القصة، أو بداية الخطوة نحو كتابة القصة، فبعد سنة تعرّفنا على كتب الكاتب واقتنيناها، وحفرت الكلمات فينا، ورحنا نقلّد قصص الكاتب، وهكذا حتى أصبح لنا أسلوباً في الحياة وفي القصّ نسير عليه. في عالم زكريا تامر تشعر أنك تتنفّس شعراً مكثفاً وصوراً غزيرة، لم تعرفها القصة العربية من قبل، وأعتقد أن هذه الصفة كافية لأن تخلده في مجال القصّ وروايته بهذه الطريقة، وخذ علي قصصه أنها تتميز بالجدّة والقسوة والقمع، لكنها كلها تؤدي إلى الحرية، إنها قصص من خبر الحياة وتعلّم منها، إنه يرسم بريشة الفنان الحياة بكل معانيها وألقها وانفعالاتها ووجومها وانتكاساتها ليخلق عالماً منفتحاً على الحرية، إنه يكتب عن القمع لأنه يأمل بعالم لا قمع فيه، يكتب عن الجهل لأنه يريد عالماً لا جهل فيه، يكتب عن الاستبداد، لأنه يريد عالماً من الحرية، يرحل فيه المستبدون إلى كوكب آخر، إنه يكتب عن انتصار الإنسان المنبوذ المهمل الذي لم يسمع له صوت حتى الآن. في قصصه سنجد دمشق التي يحبها وقد تحوّلت إلى غابة من الأسمنت، وبقي إنسانها ضائعاً يبحث عن شيء يسد رمقه، وغطاء يستر جسده، لكن هذا الإنسان عنده الكثير من الكبرياء والألم ليبقي رأسه مرفوعاً. عندما نقرأ زكريا تامر نشعر بأن الأزمة خانقة، وأننا محاصرون، لا نملك حق التنفس، نشعر بأن إنسانه ملفوف بالأقمشة كالمومياء، وها هو يزيل القماش والأتر بة ليجعلنا نتنفس ونرى الشمس، هذا ما فعله منذ مجموعته الأولى «صهيل الجواد الأبيض» إلى آخر أعماله، ويكفيه أن أعماله ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والبلغارية والروسية، وأعيد طبعها باللغة العربية أكثر من مرّة، هل هذا يدّل على جهل كل هؤلاء؟ إنه يملك أدوات تعبيرية قلما يملكها قاصّ أو محلّل اجتماعي من جيله، دخل عالم الأدب فوجده مليئاً بركام من اللغة الفضفاضة، حيث يستجدي الفقير عالم الأغنياء، فيعطونه الفتات، فأشهر قلمه وراح يكتب ليعلم هذا الفقير كيف يأخذ حقه من الذين جعلوه لا يتكلم ولا يرى ولا يسمع. |
|