|
ملحق ثقافي
ويدعوطاغور في كتاباته إلى جماليات سينوغرافية بديلة مستمدة من التراث الهندي، مستنداً إلى مرجعية أساسية في التراث المسرحي الهندي وهوكتاب ناتياساسترا وهوكتاب علم المسرح في التراث الهندي بالإضافة إلى المسرح السنسكريتي حيث لا يوجد طابع تصويري للمكان المسرحي. إن اعتماد طاغور على ناتياساسترا في نقده للمسرح الغربي يظهر أنه يعتمد الجماليات السينوغرافية في المسرح الهندي كمرجعية جمالية في تنظيره، ومثل كل من ناقض المسرح الطبيعي، يدعوإلى أولوية الشعر والشعرية في المسرح والدراما. إنه يدعوإلى سينوغرافيا الخيال التي تعني خشبة من دون ديكورات واقعية أومشهدية تصويرية. إنه يدعوالمشهدية والسينوغرافيا الواقعية أداة الأوهام. وهنا يظهر طاغور تأثراً واضحاً بالنظريات الرومانسية في المسرح وخصوصاً لدى موريس ميترلنك حيث الأساس في الدراما هوالشعر والخيال. لكن طاغور ينطلق من السياق الثقافي الهندي في تشكيل نظرية مسرحية مناقضة للاتجاه الطبيعي في المسرح الذي ساد في تلك المرحلة. إن هذا التوجه الثقافي التبادلي من قبل طاغور يؤدي إلى نقد للفكر الغربي: الواقعية المسرحية هي تعبير عن سعي الأوربي نحوالمحدد والعملي في الوجود والحياة. إن الأوربي بالنسبة لطاغور يظل يرغب بوسائل تخييلية ولكنه يريدها في شكل يقلد بإحكام الأشياء في الواقع. إنا ما يخشاه طاغور هوخديعة الشكل الأوربي وإيهامه بالواقع حيث يريد الشكل المسرحي الواقعي أن يقدم وهماً بأن ما يحدث على الخشبة هوحقيقي. هنا يلتقي طاغور مع مسرحيين أوربيين مثل غوردن غريغ وييتس. إن تفكير طاغور الثقافي ينطلق من فكرة أن التوظيف الجمالي للأدوات ينطلق من منطلق وجودي وفلسفي. إن الأوربي يريد الحقيقة واضحة محددة الملامح ومجسدة لذلك فجمالياته غير قابلة للتغيير. هنا تكمن فكرة طاغور في أن إستيراد الجماليات المسرحية وتوظيفها درامياً لا يكفي من دون التعامل مع السياق الثقافي والفكري الذي تمثله. يطرح طاغور مثالاً من التراث المسرحي الهندي كنموذج على السينوغرافيا التي يسعى إليها. إنه مسرح جاترا وهوشكل من أشكال الفرجة الشعبية. يجد طاغور في هذا الشكل المسرحي علاقة حميمة وتبادلية بين المتفرج والمؤدي على عكس علاقة التقابل والاختلاف الموجودة في المسرح الواقعي الأوربي. ليس هناك في مسرحيات جاترا هوة كبيرة بين الجمهور والخشبة بل علاقة تبادلية وتداخل بين المساحتين. إن عملية المتعة الجمالية وتوليد الدلالة تتجسد عبر تداخل المساحتين فيما يصفه طاغور بكرنفال من المتعة. يتحقق هذا الكرنفال من خلال تكوين المكان المسرحي الذي يشبه الحلبة التي تسمح بعملية التبادل الحي والمباشر بين المؤدي والمتفرج. إن مسرحيات جاترا بالنسبة لطاغور هي نموذج لتوضيح كيف أن جماليات المكان المسرحي والرموز المسرحية وأسلوب التلقي يختلف جوهرياً عن المسرح الأوربي وخصوصاً الواقعي. لكن هذا المسرح لا يقدم نموذجاً درامياً للكتابة بالنسبة لطاغور لأنه محدد ببيئة خاصة وبسياق ثقافي محدود لذلك لجأ طاغور إلى جماليات المسرح السنسكريتي الكلاسيكي. يرى طاغور أن المساحة الفارغة في المسرح السنسكريتي تعطي لخيال الدرامي حرية كاملة من دون التقيد بضوابط المشهد المحدد ومشاكل تغير المشهد والديكور. إن المسرح في خيال الشاعر حر من المكان المسرحي حيث تتوالى المشاهد وفق خيال الشاعر وحده. كيف ربط طاغور بين سيطرة جماليات المسرح الأوربي في بداية القرن العشرين على المسرح التجاري في الهند وبين الخلفية السياسية لسيطرة المستعمر؟ بالنسبة لطاغور إن غنى الشعرية لدى المؤدي والكاتب تتراجع أمام مشهدية غنى ومادية المستعمر. إن تقاليد المسرح الأوربي الواقعي تقوم على ما يسميه طاغور النهم للواقعية. ينطلق طاغور من رفضه للنموذج الأوربي من إعتبارين: الأول أن جماليات المسرح الأوربي تعبير عن الفكر والثقافة الأوربية. الثاني هوأن هذه الجماليات هي تعبير عن الفكر والرؤية الرأسمالية الاستعمارية. وفق هذه الرؤية، التقاليد والجماليات المسرحية الأوربية وخصوصاً الواقعية يمكن توريثها كما هوالحال مع البنية الإدارية والسياسية للمستعمر التي يجب تطويعها للبيئة المحلية ولكن من دون التخلص منها نهائياً. لم يكن التراث الدرامي الذي تركه طاغور في أي يوم بالنسبة للمسرحيين يحمل قيمة درامارتورجية، ذلك أن الكتابات الدرامية لهذا الشاعر يطغى عليها الطابع الشعري وتفتقد عموماً إلى رؤية مسرحية. ولكن تجربة طاغور الثقافية في معالجته النظرية لمفهوم المكان المسرحي تعتبر رغم مضي زمن طويل عليها من أهم المقاربات التي انطلقت في النظر إلى الظاهرة المسرحية كفضاء تثاقفي. وفي هذا الفضاء المفتوح أدرك الشاعر الهندي أن الخصوصية الثقافية لا يمكن لها أن تكون مجرد عناوين ثابتة أوصياغات فنية مقدسة، بل هي جملة من العناصر المتحولة التي تحدد علاقة الذات أوالجماعة بالعالم. |
|