تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأم ..الأرض.. أبجدية الحب

مجتمع
الأربعاء 13-5-2015
أيمن الحرفي

مع بدء الحياة على هذا الكون كان الحب نغماً جميلا عزفته الأم و صاغه القلب و غنته الأرض بما تنتجه من حب و شجر و زهر و ثمر فاقترنت الأرض بعطائها و الأم بحبها ,

فالأم و الأرض بهرتا العالم بتجلياتهما المتوائمة و أسرتهم تحولاتهما المتناغمة , و أبدع الصور عن الأم تشبيهها بالحمام و احتضانه لفراخه و راق لهم و أعجبهم رفيف الحمام و هديله و أطربهم تصفيقه بجناحيه و هو يحمل غصناً أخضر برفق و سلام و تخيلوها تحاكي الطبيعة بود و هيام .‏

الأم هي الخير الذي ينبثق النور من خلالها و الربيع الذي يعانق الشتاء و هي الحياة بانسيابها و عطاءها و هي الحزن عند توقفها في نهاية المطاف .‏

و عبر الانسان منذ القدم عن أفكاره و تصوراته و حبه للأم عبر الرسوم و النقوش منذ ابتكاره لأول أبجدية معروفة في التاريخ حيث ربط بين روح النبات في أعماق التربة حيث تمضي البذور جزءاً من حياتها و روح الانسان في بطن الأم حيث يمضي جزءاً من حياته فيه .‏

و هكذا لخص الانسان سر الوجود و الحياة بهذين العطائين المتشابهين عطاء الأم وعطاء الأرض .‏

و هذا هو سبب تقديس الانسان لتراب الأرض و تعفير جبهته فيها و سبب تبجيله للأم و جعلها المثل الأعلى للعطاء و الحب و الحنان و نبع كل خير و اختار أسماء محببة لها مثل «ماري» التي أصبحت تلقب « مامي « للتحبب عند البابلين و هو مرتبط بوضوح باسم «ماما» في اللغة العربية و « عشتار » و عشيرة لدى الكنعانيين .‏

و لقد تم العثور على الكثير من النصب و التماثيل التي تتجلى فيها القيم العظيمة للأم ففي وطننا الحبيب تم اكتشاف تمثال كبير لـ « مامي « أو « ماما « في مدينة « ماري « في الشمال الشرقي يعود للألف الثالثة قبل الميلاد تبدو « الأم « فيه و هي تحمل إناء تتدفق منه المياه على ثوبها المخطط بشكل يمثل الأنهار التي تجري فيها هذه المياه و التي تظهر من خلالها الاسماك التي تسبح فيها . و قد أطلق على الأم التي يعبر عنها هذا التمثال اسم « آلهة الينبوع « لكونها تجسد الخصب و الأمومة في آن معاً ووضعت صورته على ورقة النقد من فئة خمسين ليرة سورية تمجيداً للأم و للقيم التي تمثلها .‏

و عرف عبر الرقم المكتشفة بأنه كان يحتفل بعيد « ماري » أو عيد « مامي » أو عيد الأم بتاريخ الواحد و العشرين من شهر آذار احتفالاً بالأم كما ورد في موسوعة / وول ديورانت / « قصة الحضارة « .‏

و الأم حملت كل الألقاب الجميلة و المعبرة فالأم الوطن و الأرض و القلب الكبير وهي الهادية و المدرسة و مربية الأجيال و صانعة الرجال و نبع الحنان و حضن الأمان و مرفأ الوفاء و التي تهز العالم بيمينها و يهتز الكون لأنينها و التي وضعت الجنة تحت أقدامها. لا تهمها كل تلك الألقاب بل يهمها أن ترى أولادها يكبرون دون منغصات تفرح لفرحهم وتتوجع لألمهم , طبعاً فهي الأم الوردة و القبلة و الابتسامة و التي لا نشعر بالأمان إلا بعد أن نقبل يديها و لا نحس بالحنان إلا حين نغفو على صدرها و لا يغمرنا الدفء إلا إذا نلنا برها , هي باختصار خلاصة الحب و ترياق الحنان و بلسم الجراح فهي التي علمتنا كيف نحب الحياة و تمدنا بالقوة لمقاومة صعوبات الحياة .‏

هي الأم التي تستحق من الأبناء الاهتمام و الرعاية لندخل قسطاً من السعادة والسرور إلى قلبها و الحبور إلى نفسها ليس بالقول فقط بل بالبر و الاحسان و العطف و الحنان بما يتناسب و موقعها في القلب .‏

كم نحن بحاجة إلى قيم الحب التي زرعت بذرته الأولى الأم في أعماقنا , لماذا لا نوظف عيد الأم كمحطة شاعرية للقيا بواجباتنا تجاه أمهاتنا و قاعدة لاستمرار حبنا طوال العام وليس بهذه المناسبة فقط , و حبذا لو وزن كلاً منا أفعاله مع الأم بميزان قيم الحب و الاجلال التي نهلها من الأم و كم هو جميل أن نعيش حياتنا حباً بحب في عالم يستحق أن نعيش فيه قيم الحب حتى نشعر بانسانيتنا كما نشعر بوجودنا .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية