|
بيئة نسأل هذا السؤال نظرا لأن شهر أب يحمل وللأسف في ثناياه أخبارا غير سارة عن حرائق الغابات وهي تتكرر من عام إلى آخر تزيد أحيانا وتنقص أحيانا أخرى . . ومهما كانت العوامل المسببة لها سواء بفعل عوامل الطبيعة أو بفعل الإنسان سهوا أو قصدا .. فإن خطورة النتائج لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها إلا بعد جهد طويل يستمر لعشرات السنين .. والأخطر من ذاك أن حرائق الغابات لاتعني خسارات آلاف الأشجار وآلاف الدونمات , إنما احتراق نظام بيئي متكامل بما يمثله من مناخ وتربة ومصادر طبيعية هائلة , في وقت ما تزال القوانين غير رادعة ووسائل مكافحة الحرائق متواضعة للغاية ومخجلة وعمال الغابات موسميين وغير مؤهلين والحل يكمن بجدية الإجراءات الحكومية وبالتعاون الدولي للإستفادة من تجارب الأخرين وبالتعاون المحلي بين المؤسسات الرسمية والجهات الشعبية .. فهل هذا يتحقق عل أرض الواقع .. مساحات ضئيلة وقبل أن نتوقف عن واقع غاباتنا نشير إلى أهمية الغابات بشكل عام فهي من أهم الموارد الطبيعية المتجددة التي تؤدى دورا هاما في مكافحة التصحر وحماية المصادر المائية ومصدرا كبيرا للتنوع الحيوي والمصادر الوراثية .. فالغابات هي رئة الأرض تمدها بالأوكسجين عنصر الحياة وتخلصها من سموم غازات الكربون كما أنها مصدر هام لجلب الأمطار وتساقطها غير أن الغابات الطبيعية في سورية لا تغطي حاليا سوى نحو 2,5% من المساحة الإجمالية لأراضيها , بينما تشير الدراسات إلى أنها كانت تبلغ حوالي 32% مع بدايات القرن الماضي, والمثال الواضح هو تراجع مساحة واحات (غوطة) دمشق من 3000 هكتار إلى عدة مئات من الهكتارات فقط, وكذلك تناقص مساحة الغابات في جبال عبد العزيز, أبو رجمين, والبلعاس والتي كانت تمثل نظم بيئية غابية ذات تنوع حيوي غني جداً. ويعود سبب تدهور الغابات إلى عوامل الرعي الجائر و القطع الجائر وكسر الأراضي و التوسع العمراني والضغط السكاني المتزايد , مما أدى تناقص مساحة الغابات بشكل كبير على الرغم من عمليات التحريج الاصطناعي وإعادة بناء الغابات المتدهورة. وأدركت الدولة الخطورة الناجمة عن الاستثمار السيئ للغابات فاتخذت إجراءات قانونية وتنظيمية للحفاظ على ما هو موجود مع زيادة الرقعة الحراجية عن طريق التحريج واعادة تنمية الغابات في العقود الثلاثة الاخيرة بانتاج 30 مليون غرسة حراجية واستصلاح وتحريج/ 24 / الف هكتار سنوياً. أنواع أشجارها وتوزعها وإذا نظرنا إلى مكونات الغابات السورية لوجدناها امتداداً للغابة اللبنانية الفلسطينية الأردنية التي تشكل غابة بلاد الشام الطبيعية والتي تمتد على سواحل المتوسط الغني بغطائه النباتي المتنوع والذي يتميز بأهميته البيئية والاقتصادية. ويبلغ مجموع مساحات الغابات الطبيعية/ 232840/ هكتاراً تسود فيها الأشجار عريضة الأوراق/ البلوط بأنواعه/ وتقدرب¯ 58% من الأنواع التي تسود في غابات سورية تليها المخروطيات 27% واهم ما يميز هذه الغابات وجود السنديان الدائم الخضرة ..اما الأنواع التي كانت سائدة ومازالت بقاياها مثل البطم الاطلسي فلم تعد تشكل سوى نسبة 8% من الأنواع تليها أشجار اللزاب المنتشر على ارتفاعات اكثر من 1200 م عن سطح البحر.. اما البقية من الاشجار والشجيرات المرافقة للغطاء السائد فهي كثيرة أهمها: اللوز والأجاص البري— الزعرور— الغار— الاس— الزيتون البري— القطلب. ويختلف توزع الغطاء الحراجي اختلافاً كبيراً بين محافظة وأخرى فمثلاً ادلب مساحة الغابة الطبيعية فيها 18% واللاذقية 31% وحماه 6% وريف دمشق 9% وحلب 5% والغاب 12% ودير الزور 2,0% + وتعتبر مساحات التحريج الاصطناعي القائمة رديفاً أساسيا للغابات الطبيعية من حيث المساحة والكثافة الحراجية, وقد عملت الحكومة على زيادة رقعة التحريج الاصطناعي منذ سنوات عديدة, إضافة الى المساحات المحرجة ضمن الغابات المتدهورة أو التي تعرضت للحرائق أو كمصدات الرياح أوضمن الحدائق الوطنية التي يتم إشادتها في عدة محافظات ويتم تأمين الغراس الحراجية المثمرة والتزيينية, من الانتاج المحلي للمشاتل الحراجية بالقطر. وبلغت الانواع الحراجية المنتجة أكثر من 50 نوعاً محلياًً, ومنها :الصنوبر الثمري— الصنوبر الشعاعي والكناري والاكاسيا والبطم الاطلسي واللوز البري والشوح وغيرها حرائق الغابات وأمام هذا الواقع وبالمقارنة بين التنوع الحيوي الغني لغاباتنا وأهميتها الكبيرة وبين ضآلة المساحة الراهنة , يبرز موضوع حرائق الغابات كأهم المخاطر التي تهدد مواردنا الطبيعية بصفة عامة والغطاء الحراجي بصفة خاصة , ولذلك تم إطلاق مشروع الإدارة المتكاملة لحرائق الغابات بالنهج التشاركي بالتعاون والتنسيق بين وزارة الزراعة /مديرية الحراج ومنظمة الامم المتحدة /الفاو / وبتمويل من قبل الحكومة الايطالية . ويهدف المشروع على المدى البعيد إلى حماية وصيانة التنوع الحيوى خاصة في الغابات المتدهورة في المنطقة الساحلية وإعداد خطة إستراتيجية وطنية لإدارة حرائق الغابات وتنظيم وتدريب المجتمعات المحلية والفنية في مديرية الحراج وتطوير طرق جديدة لمراقبة حرائق الغابات واكتشافها بسرعة وإخمادها وإعداد وتنفيذ حملة وطنية للتوعية حول حرائق الغابات بمشاركة المعنيين بما في ذلك السكان والمؤسسات المختلفة ووسائل الإعلام . وتعتمد الخطة على المشاركة التدريجية للمجتمعات المحلية في تخطيط وتنفيذ أنشطة مواقع المشروع المختارة ودعم نشاطات التنمية المستدامة وحفظ التنوع الحيوي في الغابات وتخفيف التصحر والتدهور . ويعمل المشروع على تطوير منهج وطني للتدريب في مجال الحرائق واكتشافها وإخمادها وتحقيق التعاون والتكامل مع المؤسسات والهيئات التي تعمل في هذا المجال وتوفير الدعم الفني اللازم لتطويرها , وإعداد مقترحات حول اتفاقية دولية أو إقليمية للمساهمة في الوقاية والحماية من الحرائق وصولا إلى تحقيق مفاهيم خاصة تبرز الدور البيئي للغابة وأهميتها اجتماعيا واقتصاديا لاسيما في الحفاظ على التنوع الحيوي وحماية مصادر المياه 0 ولتفعيل وإنجاح هذا المشروع والانطلاق به تقام ورشات عمل شملت عدة محافظات للفعاليات الشعبية المشاركة بالمشروع و رؤساء الوحدات الإرشادية والروابط الفلاحية ولتأمين الحماية الذاتية للغابات يجري العمل على إحداث موارد مائية ثابتة ضمن حراج محافظة اللاذقية وغاباتها يتم من خلالها إنشاء خزانات إسمنتية كبيرة تحت سطح الأرض تتراوح سعة الخزان الواحد من 50 إلى 250 م2/ بالإضافة إلى تأمين وسائل إطفاء حديثة ومتطورة وشق الطرق في الغابات وتنظيف جوانب الطرق العامة الملاصقة للغابات من الحشائش اليابسة والمخلفات تفاديا للحرائق والكوارث التي يمكن أن تنتج عنها. وبدورنا نأمل أن ينجح هذا المشروع في بلورة إستراتيجية وطنية لإدارة الحرائق بأقرب وقت لتكون قابلة للتطبيق وتتوفر لها المستلزمات الفنية والمادية كاملة وبالمشاركة بين مديرية الحراج والمجتمعات المحلية لأن الجهة الرسمية لا تستطيع لوحدها أن تفعل شيئا وكذلك بالنسبة للسكان القريبين من الغابات والذين يتعايشون يوميا معها .. فهل سنجد أمثلة ناجحة ومضيئة لهذا المشروع لنضمن التنمية المستدامة للغابات وللتوازن الحيوي فيها .. نأمل ذلك .. |
|