تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في مديح الانسحاب من غزة

لبنان
معاً على الطريق
الاربعاء 24/8/2005
غسان الشامي

عندما خرجت إسرائيل من جنوب لبنان ذات فجر مقاوم قبل خمسة أعوام ونيّف قلت لصديقي على باب معتقل الخيام الذي كان يرقص مع الفرحين بالنصر إن هذا هو المسمار الأول في نعش الامبراطورية الإسرائيلية ,

فقد كان الحلم الصهيوني بإسرائيل الكبرى قد طلي باللون الأسود وببكاء يشبه السوالف الطويلة للمستوطنين الذين يهزون رؤوسهم على قبر راحيل , حيث كشح صبح الانتصار غمام الحلم الصهيوني وبدأت أصوات طرطقة عظام تيودور هرتزل وبن غوريون وغولدا مائير تسمع في أنحاء كثيرة من مستوطنات الشتات الدولي.‏

ربما كنا متفائلين أكثر مما ينبغي ,فقد كان جديراً بالانتصار العسكري الوحيد على إسرائيل أن يشحذ همم بني يعرب ,لكن الأمر انعكس إلى تحول الكثيرين منهم إلى شحّاذين على البوابة الإسرائيلية تلمساً للرضى الأمريكي.‏

لكن الانتفاضة في فلسطين استمرت رغم الزمن الصعب والبهلوانية السياسية , تناغماً مع آلام أمهات الشهداء ومع بقايا الزيتون الذي لم تقدر عليه الجرافة الشارونية, وتم الالتفاف على الأرض مقابل السلام بأكثر من خريطة,,وصولاً إلى غزة أولاً . هنا يجب أن نعترف أن غزة هاشم لم تذكر في السياق التوراتي سوى مرتين, وأن رابين نفسه كان يحاول إيجاد سفر للخروج جديد منها, فمن يرى صورة جوية لهذا القطاع العنيد والأبي يعرف تماماً أن الديمغرافيا قتّالة للحلم الإسرائيلي , و)اللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة).‏

بيد أن هذا القطاع الذي زرعت فيه الشارونية ثمانية آلاف أفّاق داخل أعلى كثافة سكانية في العالم , هو في الوقت عينه أهم استثمار معنوي واقتصادي لإسرائيل , وهو تطبيق عملي للشايلوكية , فالخروج من غزة تحت وطأة الكاميرات العاربة والغاربة والمستعربة جعل صورة القاتل تبدو صورة ضحية أمام أعين العالم, حين يشحط من بيته وأرضه وتبلل الدموع ذاك التراب المسروق والمحتل , وينشمط قلب شارون الذي حوّلته السياسة من قاتل إلى صانع سلام شجاع, وفي الوقت عينه سوف تدفع أمريكا ,عن صاغر, ثمانية مليارات دولار لثمانية آلاف لص , فيما ملايين الفلسطينيين لا يزالون منذ 1948 يبيتون على الطوى..‏

لا أقلل من حجم الانسحاب الإسرائيلي من غزة, لكنني سمعت عدداً كبيراً من المتبجحين والمهللين للانتصار.. طبعاً أي خروج إسرائيلي من قطعة أرض محتلة, وكانت مشمولة بالحلم الصهيوني هو نصر ,.لكن يحتاج الأمر إلى تدقيق في الاحتفالية ,لأن هذا العالم العربي التعس لا يملك ورقة يقرأ فيها في دفتر الغد.‏

دائماً ما نبالغ في احتفالاتنا ولطالما كنا أشطر شعوب الأرض في الاحتفال بالهزائم, وإلاّ لما كان وضعنا يحمل كل هذا البؤس, وأعتقد أن النعامة حكر على بلاد العرب, لكن في كل الأحوال أنا مسرور لأن أمهات الشهداء مسرورات , ولأن النساء الخائفات من انقضاض الجرافات الإسرائيلية على منازلهن في رفح وخان يونس وبقية القطاع سوف يذهبن إلى فراشهن لينمن, كما اليمامات, للمرة الأولى منذ ثمانية وثلاثين عاماً..لكن هل من خطة للغد, لعودة قطعة أرض أخرى, ومسمار أخير يطبق على غطاء نعش هرتزل?.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية