|
شؤون سياسية حول مستقبل الحزب وسياسته التي يتهمها منتقدوه بأنها أوصلت الولايات المتحدة إلى طريق مسدود. هذا الجدل الدائر حالياً في الأوساط الفكرية والسياسية الأمريكية يذهب إلى أكثر من تحميل الحزب الجمهوري مسؤولية الفشل ويتهم مجمل التيار الأمريكي المحافظ الذي تلقى ضربة قاسية مع صعود أوباما إلى سدة الرئاسة ومعه التيار الليبرالي متمثلاً في الحزب الديمقراطي الذي عرف كيف يستغل أخطاء إدارة بوش ويسيطر على الكونغرس. لكن هزيمة الجمهوريين المؤلمة ومن ورائهم المحافظون بشتى صنوفهم الذين يمثلون قاعدة الحزب أصبحت في نظر البعض احتضاراً طويلاً لا ينتظر سوى لحظة النهاية التي يعلنها الكاتب والصحفي الأمريكي -سام تانينهوس- في كتابه «موت المحافظين» حيث يقدم الكاتب قراءته لتحولات الواقع السياسي الأمريكي ليخلص إلى أن خسائر الحزب الجمهوري في انتخابات 2008 لم تكن مجرد انتكاسة بل كانت بمثابة موت للتيار المحافظ وخروجاً من الحياة السياسية الأمريكية. وفي نظر المؤلف الذي يبدو قاطعاً في إعلانه موت التيار المحافظ أنه مهما علا صوت المحافظين من خلال رموزهم في الصحافة الذين ينتقدون توجهات الإدارة الحالية ومهما تمادوا في هجومهم عبر موجات الإذاعة فإنه لن تقوم لهم قائمة والسبب راجع إلى معوقات بنيوية ترجع إلى الفكر المحافظ نفسه والذي تخلى عن أفكاره المؤسسة والتي كان بإمكانها خدمة المصلحة العامة الأمريكية لصالح مجموعة متطرفة داخل اليمين الأمريكي رفضت التأقلم مع التيار الليبرالي السائد في أمريكا. فالمفارقة التي ينطوي عليها الخطاب المحافظ في أمريكا تكمن في أن «سعيها وراء السلطة حرفها عن مسارها لتسلك طريقاً يختلف تماماً عن المبادئ المحافظة التي انطلقت منها»، وهكذا تصبح مشكلة التيار المحافظ ليس في أفكاره المؤسسة بل في تخليها عنها وخيانته لمبادئه الأولى تلك المبادئ التي تدعو أول ما تدعو إليه عدم الانقلاب على السائد والقبول بالوضع الراهن ولا سيما في الجانب الاجتماعي وهو ما يحتم التأقلم مع تطور المجتمع وعدم الوقوف في وجه التحرك التلقائي للقوى الاجتماعية نحو الليبرالية. فالمجتمع الذي يتطور حسب احتياجاته المستجدة وضرورات الواقع مثل استغلال العلم لتطوير علاجات متقدمة والاستفادة من الهندسة الوراثية وتشجيع الأبحاث على الخلايا الجذعية لم تعد هناك جدوى من الوقوف في وجهه كما فعل بوش في محاولاته لرفض التطور، لكن المحافظين في نظر الكاتب يغلبون الأيديولوجية على الواقع وهو أمر ما كان ليقبل به المحافظون الواقعيون من أنصار المفكر -إيدمون بورك- الذي أسس الأصول النظرية للفكر المحافظ إذ عرف عن هذا المفكر الأوروبي واقعيته الشديدة إلى درجة معارضته للثورة الفرنسية التي عاصرها. وهنا يعيب الكاتب على المحافظين المعاصرين انغماسهم في الأيديولوجية كما تبدى ذلك في غزو العراق والحجج التي سيقت لتبريرها مثل نشر الديمقراطية رغم أن الثمن كان باهظاً. ينتقد الكاتب أيضاً المحافظين ويتنبأ بموت تيارهم بسبب الأساليب التي يلجأ إليها رموزهم للترويج لآرائهم والتي من أهمها استثارة مشاعر الرأي العام وصياغة خطاب شعبوي للظهور بمظهر المحافظ على قيم المجتمع والأسرة والمدافع عن المبادئ الأمريكية وحماية المجتمع من اجتياح المهاجرين وهو ما يضرب في نظر الكاتب الأسس الليبرالية التي قامت عليها أمريكا وصاغها جيفرسون من خلال سياسته المدافعة عن مؤسسات الدولة. كما يهاجم الكاتب النظرة «الهوبيزية» للدولة التي يتبناها المحافظون والناتجة عن انعدام ثقتهم في الإنسان والذي يتحول كما قال -هوبز- نفسه إلى مجرد «ذئب لأخيه الإنسان». وبالتبعية يتحول المجتمع إلى ساحة معركة الكل فيها يحارب الكل ما يحتم الحضور القوي للدولة في المدن والاستثمار في المؤسسات العقابية مقابل غيابها عن البرامج الاجتماعية والخدمية. وهكذا تحول المحافظون إلى سياسيين مؤدلجين همهم الوحيد هو تطبيق نظرياتهم بخصوص غياب الدولة وتكريس الطابع الأمني للمدينة والمجتمع فضلاً عن عرقلة التطور الاجتماعي والوقوف في وجه حرية الاختيار سواء تعلق الأمر بالفرد الذي صار عاجزاً عن التحكم في جسده «منع الإجهاض» أم تعلق الأمر بالتدبير الجماعي للاقتصاد الذي بانفلاته عن الرقابة والتنظيم قاد إلى ركود ما زالت أمريكا تجاهد للخروج منه دون أن يبدو ذلك ممكناً في المدى القريب على الأقل. |
|