|
شؤون سياسية الفلسطينية، واللعب على انقساماتها السياسية، كل ذلك لتظهر للعالم كله بأن جعجعة المفاوضات يمكنها أن تنتج ولو القليل من توافقات التسوية المزعومة. خداع التصريحات الإسرائيلية- الأميركية بشأن المفاوضات هو أنها تريد إفهام الإسرائيليين ومعهم العالم، بأن تقدماً يجري، وهذا غير صحيح فمازال الجانبان أبعد من أي وقت مضى، وهما اليوم أكثر ابتعاداً عن إمكانية تحقيق اتفاق في المدى المنظور. وفي ظل المفاوضات يزداد تحول «إسرائيل» إلى دولة تمييز عنصري فتقيم المعازل والكانتونات خلف جدار الفصل العنصري، وفي داخلها كذلك ضد المقدسيين وأهالي المدن وقرى الجليل والمثلث والنقب، وفي كل الأحوال فإن اللقاءات التفاوضية، أو تلك الداعمة لها بوساطة أميركية، خصوصاً بعد جولة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى المنطقة، وإن لم يكن طابعها تفاوضياً، أو مساعداً على تخطي عقبات التفاوض فإن كل هذه أو تلك لاتحمل أي إشارات خاصة إلى إمكان تحقيق إنجاز ولو محدداً لمصلحة الطرف الفلسطيني، ولاسيما في ظل الانقسام السياسي المحتدم، فالصوت الأميركي- الإسرائيلي على طاولة المفاوضات- إن كانت فعلاً هي كذلك وليست مجرد محاولات إملاء- يفوق في الميزان الصوت الفلسطيني الوحيد المستفرد، ولذا.. فإن أي مقترحات للتوصل إلى مايمكن أن يجسر الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تكون إلا على حساب الفلسطينيين وعلى حساب حقوقهم التاريخية في كل الأحوال. أكثر من ذلك مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد جورج بوش الأب الجنرال برنت سكوكروفت قال أخيراً: «إن مفتاح تغيير المناخ النفسي في المنطقة هو من خلال تحريك المسار الفلسطيني «الإسرائيلي» قبل أي شيء آخر»، وإن على مبعوث إدارة أوباما إلى المنطقة السيناتور السابق جورج ميتشيل أن «يضع توصياته في وقت مبكر، وأن يخرج بمبادرة متكاملة للحل وهو مالم تفعله الولايات المتحدة سابقاً». سكوكروفت يعترف أيضاً أن أحد الأشياء التي يجب تذكرها هو أنه على مدى عقود مضت كان الفارق ضئيلاً بين الحكومات اليمينية واليسارية في «إسرائيل حيال عملية السلام»، فاته أن يقول: إن الفارق كان ضئيلاً بين الإدارات الجمهورية والديمقراطية في الولايات المتحدة حيال «إسرائيل» واعتداءاتها التوسعية. معنى ذلك أن لا أمل يرتجى من أميركا و«إسرائيل» لمصلحة الشعب الفلسطيني في ظل وموازين القوى الحالية في المنطقة، فالمفاوضات، حتى لو تم تنشيطها لن تؤدي إلا إلى مزيد من المفاوضات، وفي ظل المفاوضات كانت «إسرائيل» تقضم الأرض وتهضمها، لتقضم المزيد منها، المفاوضات تعني إذاً تغطية عملية القضم والهضم إلى مالانهاية. الحقيقة أن لاسبيل إلى دفع أميركا و«إسرائيل» إلى الاعتراف بالفلسطينيين وحقوقهم غيرالقابلة للتصرف، وبالتالي إلى مفاوضتهم من دون شروط تعجيزية، إلا إذا تبدلت موازين القوى في المنطقة على نحو تشعر معه واشنطن وتل أبيب بأنهما ستخسران الكثير إذا لم توافقا سلفاً على التضحية بالقليل قبل أن تضطرا إلى خسارة الأكثر. السبيل إلى إحداث تعديل موات للعرب في موازين القوى يكمن في دقة تقييم وضع كل من أميركا و«إسرائيل» في المنطقة بكل تحدياته وأزماته، وبالتالي اغتنام فرصة تراجع قدراتهما بفضل المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان، من جهة، وبسبب الأزمة الحالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة وأوروبا وسائر العالم من جهة أخرى، كل ذلك من أجل تفعيل المقاومة المدنية والميدانية ضدهما بالتعاون مع الدول والقوى التي تعاني منهما إقليمياً وعالمياً، وتبدي استعداداً للتنسيق مع قوى المقاومة لدينا في إطار فهمنا المشترك لقواعد الصراع وساحاته ولحقوق ومصالح الأطراف المنخرطة فيه. أضف إلى ذلك أن الدول العربية مطالبة بتصحيح الموقف العربي العام من «إسرائيل» إلا بعد إقرار أميركا وأوروبا مباشرة، أو من خلال قرار لمجلس الأمن، بأن «إسرائيل» هي دولة محتلة للضفة الغربية، وأن الغاية من أي مفاوضات مقبلة بينهما وبين الفلسطينيين والعرب هي إزالة الاحتلال وآثاره وبالتالي تطبيق قرارات الأمم المتحدة الصادرة منذ عام 1947 حتى الوقت الحاضر. يجب على الفلسطينيين أن يعملوا ويستعدوا لإعادة النظر في الاستجابة الفلسطينية المعتمدة حالياً، بحيث تقوم الاستراتيجية البديلة على إسقاط الخيار التفاوضي الحالي واعتماد بدائل أخرى مثل إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج وطني ديمقراطي واقعي قادر على الإقلاع، بمافي ذلك تفعيل وتطوير منظمة التحرير وضم كل القطاعات والقوى الأخرى التي لاتزال خارجها، واعتماد مقاومة مثمرة قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية. |
|