|
شؤون سياسية وعلى الرغم من الطابع الاقتصادي لهذه القمة لكنها بكل الأحوال لها وجهها السياسي الأكيد باعتبار العلاقة المتجادلة بين الاقتصاد والسياسة وبين تحولات عصرنا الراهن ومظاهر الأقلمة فيه (أي الوحدات الإقليمية الاقتصادية والتكتلات) ومظهر الأقلمة اليوم يمثل التوجه العالمي نحو نظام دولي متعدد الأقطاب، وعدم جواز بقاء العالم في ظل قطب وحيد يهيمن ولايشارك. وفي تركيا (اسطنبول) تحدث السيد الرئيس أمام هذه القمة الإسلامية بخطاب العقلانية المبدئية لسورية وبخطاب المستقبل الذي تعتبره سورية الحل الوحيد للخروج من المعضلات العربية، والإسلامية بآن معاً فالتوجه الحكيم دائماً هو نحوالعصر، والمستقبل، وإدارة الأزمة بهذا المنحى تكسب الجميع وقفة مراجعة حتى يتم تحديد الطريق وتصويب السياسات طالما أن حقباً قد مرت على منظمة المؤتمر الإسلامي (أي أربعون عاماً قد مر على تأسيسها) ولم تشكل بعد سياستها الجامعة، واقتصادها الجامع، وعلاقاتها المطلوبة عبر تقارب المصالح وتكامل المنافع. وبناء عليه فقد كان لحضور السيد الرئيس هذه القمة-إضافة لما قد أصبح مابين سورية وتركيا من تجربة تحتذى كما وصفها السيد الرئيس التركي غل -الأثر الكبير الذي حقق نجاحها باعتبار أن الخطاب العقلاني الذي استمع إليه المؤتمرون من جميع الدول الإسلامية قد شدد على ضرورات ومتلازمات في الاقتصاد والسياسة والوجود المشترك والمصير المشترك لدول المؤتمر الإسلامي برمتها. وحين يكون الخطاب يمثل لغة العقل الكلي، ويملك في شموله التشخيص الواقعي الحكيم فإنه يتحول إلى فكرة جامعة، ونظرية عمل مجمعة، فالمسألة المطروحة بل المسائل لاتخص بلداً اسلامياً بمفرده، كما لاتتعلق بسياسات أحادية الجانب إنما هي منطق واقعي يدخل في صميم الوجود الاقتصادي، والسياسي والحقوقي لكل المنظومة الإسلامية المؤتمرة، والمجتمعة في اسطنبول. لقد استهل السيد الرئيس خطابه التاريخي بالإشارة إلى أهمية منظمة المؤتمر الإسلامي، ودورها الحاضري والمستقبلي، وبما تمثله من جامعة اسلامية، منذ تأسيسها بعيد العدوان على المسجد الأقصى قبل أربعين عاماً. وأومأ إلى اتساع الفجوة بين واقع المنظمة، وطموحات شعوبنا، وأن الفضاء الإسلامي واسع، وغني ويحتوي امكانات هائلة، وعناصر ازدهار مهمة، والمطلوب دوماً هو التقارب، والتكامل، والمواقف المشتركة، لكن هذا يحتاج إلى إرادة سياسية، فالإرادة السياسية يراها السيد الرئيس أنها القوة الدافعة وراء كل تعاون. والإرادة السياسية كي تكون وتتجلى لابد أن تمتلك قيم الاستقلال عن أي محاولات للتدخل في شؤون الدول الإسلامية فهي دوماً نابعة من أرض وواقع، وطموحات الدول وحياة الشعب. ولكي تحقق الدول الإسلامية الازدهار الذي هو ليس سلعة مستوردة- كما قال السيد الرئيس-لابد أن تصل الدول الإسلامية إلى علاقات متطورة فيما بينها، فالعلاقات الإسلامية المتنامية هي الحل الأمثل للخروج من مظاهر الهيمنة على قرارات الدول، وفرض حالة الاستهلاك عليها، ومنعها من التحول إلى دولٍ منتجة حتى تبقى صورة العالم كما حددتها دول الهيمنة، أمم منتجة تقود العالم، ودول مستهلكة تقاد وتأتمر وهنا شدد السيد الرئيس على دور المعرفة والإبداع، والبحث العلمي المشترك بين الدول الإسلامية حتى يكون الانطلاق التعاوني مابين هذه الدول شاملاً ومزيلاً لكل عقبة وفي هذا الخصوص طالب المؤتمرين باعتماد بطاقة رجال الأعمال بديلاً عن سمات الدخول المعمول فيها حتى اليوم. وقد أوضح السيد الرئيس أهمية اعتماد المشروعات ذات البعد الإقليمي وتطوير خطوط النقل ولاسيما البري منها والوصول إلى اتفاقية نظام الأفضليات بين هذه الدول، وتشجيع البحث العلمي المشترك عبر كومسيك. وبالبحث العلمي المشترك نستفيد من امكانيات بلداننا، وتكاملها، وننتقل إلى التعاون مع المنظمات والتكتلات الإقليمية العالمية من آسيان إلى كل تكتل. وقد حرص السيد الرئيس أن يظهر تمسكه بارتباط الاقتصاد بالمعرفة في عصر صار فيه اقتصاد المعرفة هو الأهم من النمو الاقتصادي العالمي، وهنا أكد على ارتباط الاقتصاد بالمعرفة وبالسياسة بالوجود المشترك لمنظومة الدول الإسلامية وعملها. وعليه فقد توقف السيد الرئيس عند ضرورات تحقيق الازدهار الاقتصادي لدى البلدان الإسلامية لكنه ألمح إلى أن الازدهار لن يتحقق في ظل وجود بؤر انفجار في المنطقة الإسلامية وعليه فالاقتصاد يصبح مرتبطاً بوجودنا المشترك، وبالتحديات الوجودية التي تواجهنا معاً منذ أن تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي وما يزيد من أهمية هذه المنظمة اليوم هو سياسة تهويد القدس التي تتبعها «إسرائيل»، وتقيم المجازر اليومية على هذا الطريق، ولذلك فمن الواجب أن نكثف الجهود حتى نزيد من نسبة الضغط الدولي على إسرائيل» بدلاً من حالة مجاملتها الحاضرة. ولقد توقف السيد الرئيس عند منهج المقاومة التي اعتبر دعمها شرفاً لنا فقال: الحل هو بعودة الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الجولان وفشل المفاوضات مع كيان العدوان يعني أن المقاومة هي الحل البديل، واعتبر أن وقف الاستيطان لايمثل سوى خطوة باتجاه الحل لا أكثر، والمطلوب هو إزالة المستوطنات والاحتلال فإنهاء الاحتلال هو الضمانة للحل العادل وقال مازال يجري في غزة مما يحرك وجداننا دوماً لنرفض وحشية «إسرائيل» ونطالب برفع الحصار ودعم مقاومة غزة. وقد أشار السيد الرئيس برد الفعل الدولي الذي حصل ضد تقرير غولدستون الأمر الذي يجعلنا لانرى حلولاً منصفة تأتينا من عند الآخرين وكم يدعونا هذا الحال إلى الاعتماد على أنفسنا فالاعتماد على الذات هو الكفيل بالحل العادل، وما دمنا نفترض الحلول من عند الآخرين لن نصل إلى حقوقنا، ولن نحقق مصالحنا. بمثل هذه الدعوة الرشيدة اختتم السيد الرئيس خطابه التاريخي أمام قمة كومسيك في تركيا وأنظار العالم مشدودة إليه بوصفه صاحب قرار الاستقلال دوماً، ورائداً في الانطلاق من مصالح المنظومة الإسلامية والممثل لنبض الشارعين: العربي والإسلامي ومن الطبيعي أن تقع أطروحات السيد الرئيس في الموقع الحسن عند الدول الإسلامية والشعوب المسلمة ليفتح الجميع صفحة العمل المشترك المؤسس على العلم والمعرفة والإبداع، والسياسات الواحدة فإما أن تحقق منظمة العمل الإسلامي هذا المنهج فيما تفكر وتمارس أو ستبقى هي وشعوبها فيما يرسمه الآخرون لها من مصير. |
|