تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل حبة توت.. تذكرنا بتراب الوطن..اخضرار شاهد على استمرار تشبثنا بأرضنا

الجولان في القلب
الاثنين 30-5-2011
سوسن خليفة

حياتنا بسيطة ولكننا نعرف كيف نعيش لا نفوت ساعة الفرح وبيوتنا عربية غير الطوابق الحالية التي تشبه علب الكبريت والتي لاأستطيع أن أعيش فيها أبداً، فقد اعتدنا على الفلا أن لايكون مقابلنا منزل قريب يسد عنّا ضوء الشمس

هكذا بدأت أم معتز/68/ عاماً حديث ذكرياتها في قريتها الغافية على هضبة الجولان الحبيب وأضافت: كنت أذهب مع أمي إلى منزل في الحارة يوجد فيه فرن تجتمع النسوة للخبز فيه وبالدور...‏

وعندما تنتهي والدتي من الخبز تحمل لي رغيفاً بعد أن تبرده قليلاً كي أكل منه هذه اللحظات لا أنساها أبداً وأشتاق كثيراً إلى البخار الصاعد من الرغيف الذي لم نعد نراه الآن لأن ربطة الخبز نأخذها جاهزة وباردة في أغلب الأحيان.‏

وكان في منزلنا غنمات نشرب الحليب طازجاً وتصنع والدتي اللبنة والجبنة في البيت وطعمها الرائع لايزال كما يقولون «تحت ضراسي» ومنزلنا كان عربياً من الحجر الذي يشعرك بالبرودة في الصيف إضافة إلى جو القرية بنسمات العليلة وأتذكر في هذه اللحظة عندما كنت طفلة في الخامسة من عمري وأجلس تحت شجرة التين وإخوتي، الأكبر سناً يساعدون والدتي في «السليق» أبي يحوش الخضار من خبيزة ورشاد وبصل أخضر وسلق، وأبتعد قريباً لألعب مع رفيقاتي بلعبة القماش التي يخيطها الكبار من قماش ويضعوا لها الأيدي والأرجل والأزرار السود للعيون والزر الأحمر للفم. وهناك بعض الأكلات التي كانت تطبخها والدتي وتعلمناها نطبخها الآن لأولادنا مثل «شبس وباستة» والحلفا ونعتبرها من تراثنا.. ونحرص على نقل عاداتنا وتقاليدنا إلى الأبناء والأحفاد.‏

وصورة قريتنا لا تفارق عيني ففي الصباح نفتح أعيننا على منظر الأشجار الخضراء، والراعي يمشي خلف الخرفان وهو يأخذها إلى المرعى.. وشرب الحليب الطازج الصاغ غير المغشوش لقد اشتقنا لمذاقه الرائع..‏

وتبين أم معتز أن المرأة كانت تعمل كثيراً خارج البيت وداخله، وفي الرجيدة، وقطاف الكرم، وتلبية متطلبات الأولاد والزوج، وحمل الحطب وتحويش الصبار وفي مثل هذه الأيام أتذكر شجرة التوت بالقرب من المنزل ولا أجد توتاً يشبهه حتى الآن فهو مغروس في قلب القرية الجميلة وشرب من مياهها العذبة وأخذ من حلاوتها وكل حبة توت تذكرني بتراب الوطن الغالي الذي أتمنى أن آراه قبل أن يأخذ الله أمانته.‏

وأضافت أم معتز.. كنا نحب المشاوير وحتى هذه الأيام نستغل العطل للذهاب إلى القنيطرة ونقضي يوماً كاملاً بين أحضان الطبيعة ونشعر فعلياً إذا هبت نسمة هواء أن هذه النسمة جاءت من الجولان الحبيب لتدغدغ وجوهنا وتقول إنها مشتاقة إلينا كما نحن مشتاقون لها.. حتى إن حفيدي الصغير يحاول أن يقف في القنيطرة بمكان مرتفع ويقول لقد شاهدت قريتنا ياجدتي وأحمد الله أن حب الوطن مغروس في نفوسنا ولا شيء يعادله أبداً.. وأولاد أولادنا متشبثون بالعودة أكثر منا وهذا يعني أن الجولان في القلب والعودة قريبة لا شك فيها.. وحبنا لأرضنا دائم.. مثل دوام اخضرار شجرة التوت.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية