تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


29 أيــار 1945 .. السوريون سطّروا ملحمة في سبيل حرية واستقلال وطنهم

سانا-الثورة
الصفحة الأولى
الاثنين 30-5-2011م
يوم التاسع والعشرين من أيار سيبقى في الذاكرة، ولن تمحوه الأيام والسنون، ففي مثل هذا اليوم من عام 1945 أضاف السوريون ملحمة جديدة إلى سجلهم النضالي

عندما سطّر أبطال حامية البرلمان آنذاك بدمائهم الزكية وقفة العز والكرامة، ومدى حبهم لوطنهم وتقديسهم لترابه، فرفضوا أوامر المستعمر الفرنسي في أداء تحية علمه وكانت أرواحهم ثمناً لذلك، وهم الذين خاضوا مع كل رجالات سورية ونسائها أشرس المعارك وقدموا أغلى التضحيات في سبيل حرية واستقلال وطنهم.‏

ويوم أمس صادفت الذكرى التاسعة والعشرين لتلك المناسبة التي تتخذها قوى الأمن الداخلي عيداً لها، استذكاراً للقيم النبيلة والوقفة البطولة التي جسدها أبطال حامية البرلمان فاستشهد منهم 28 لينضم اليهم في اليوم التالي 600 شهيد اضافة الى 1700 جريح خلال التصدي للعدوان الفرنسي في عدة أحياء بدمشق.‏

وقد تناقلت الشهادات والروايات بطولات هؤلاء المدافعين الابطال ومنهم محمد مدور الذي لقب بالشهيد الحي حيث روى في لقاء معه عام 1985 قبل وفاته انه في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29 أيار عام 1945 وجه الجنرال اوليفاروجيه انذارا الى رئيس المجلس النيابي المرحوم سعد الله الجابري يطلب فيه أن تقوم قوات الشرطة والدرك بأداء التحية للعلم الفرنسي بواجهة المجلس الا أن الانذار رفض وتم الايعاز الى قائد الدرك العام بعدم الاستجابة لهذا الانذار.‏

وقد رفضت حامية البرلمان أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء انزاله من على ساريته في دار الاركان الفرنسية الذي يقع في مقابل مبني المجلس بعد أن تلقى قائدهم مفوض الشرطة سعيد القهوجي أمرا بالرفض من رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان مستخدمين الاسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات.‏

وفي تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص وهي تنطلق من دار الاركان الفرنسية تجاه البرلمان فيما تقدمت المدرعات الفرنسية لتوجه نيرانها نحوه بكامل قوتها بينما استحكم رجال الدرك السوري والشرطة المولجون بالدفاع عنه وراء متاريسهم وشرعوا بمقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية رافضين الاستسلام معتمدين على أسلحتهم المتواضعة ومتسلحين بالايمان وقوة الانتماء وحب الوطن فكتبوا بدمائهم الزكية عزة وطنهم وكرامته وسطروا أحرف نور تضاء بها دروب المستقبل المشرق لوطنهم الغالي.‏

واستشهد ثمانية وعشرون من المدافعين وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس وهما شهير الشراباتي واحسان بهاء الدين اللذان استطاعا النجاة من الموت المحقق بأعجوبة اضافة الى الشرطيين ابراهيم الشلاح ومحمد مدور اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى ليصبحا الشهيدين الحيين.‏

وتضم قائمة المجد لشهداء 29 أيار وكيل الضابط محمد طيب شربك, العريف برهان باش امام, العريف طارق احمد مدحت, الدركي شحادة الياس الامير, الدركي خليل جاد الله, الدركي ابراهيم فضة, الدركي محمد حسن هيكل, الدركي يحيى محمد اليافي, الدركي زهير منير خزنة كاتبي, الدركي ممدوح تيسير الطرابيشي, الدركي محمد أحمد أومري, الدركي محمد خليل البيطار, الدركي سعد الدين الصفدي, الدركي ياسين نسيب البقاعي, الدركي زين محمد ضبعان, الدركي عيد فلاح شحادة, الدركي ابراهيم عبد السلام, الدركي أحمد محمد القصار, الدركي جورج أحمر, الدركي محمد عادل المدني, الدركي واصف ابراهيم هيتو, الدركي عبد النبي برنية, الدركي سليمان أبو سعد, الدركي أحمد مصطفى سعيد، المفوض في الشرطة سعيد القهوجي، الشرطي مشهور المهايني، الشرطي محمود الجبيلي، الطبيب حكمت التسابحجي، الذي حضر لاسعاف الجرحى واستشهد معهم.‏

ولم يقتصر العدوان الفرنسي يومذاك واليوم التالي على البرلمان وحاميته بل امتد ليشمل عدة احياء من دمشق وقد صدرت احصائيات انذاك قالت ان عدد الشهداء من المدنيين بدمشق في ذلك العدوان بلغ 600 شهيد وأن الجرحى بلغوا 1700 جريح.‏

ولابد ان نتذكر بهذه المناسبة كيف أن فارس بيك الخوري ممثل سورية في الامم المتحدة دخل الى قاعة الاجتماعات انذاك قبل دقائق من موعد الاجتماع الذي طلبته سورية لرفع الانتداب الفرنسي عنها و بدلا من أن يجلس على المقعد المخصص لسورية اتجه مباشرة الى مقعد المندوب الفرنسي لدى الامم المتحدة وجلس عليه وعندما دخل المندوب الفرنسي ووجده يجلس على مقعد فرنسا في الجلسة توجه اليه وبدأ يخبره ان هذا المقعد مخصص لفرنسا واشار له الى مكان وجود مقعد سورية مستدلا عليه بعلم سورية ولكن فارس بيك لم يحرك ساكنا بل بقي جالسا خمسا وعشرين دقيقة الى ان اهتاج المندوب الفرنسي وصرخ وعندها وضع ساعته في جيبه قائلا للمندوب الفرنسي سعادة السفير جلست على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا وحنقا وسورية احتملت فظاعة جنودكم خمسا وعشرين سنة وآن لها ان تستقل.‏

ففي حياة الشعوب المناضلة تؤخذ الشهادة مثلا حيا على أصالة الشعب ويكرم الشهداء لتضحياتهم وعطائهم الذي لا ينضب في سبيل أن تصان حرية الوطن وتبقى رايته مرفوعة مصونة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية