تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التباين في القراءات العربية للسياسة الأميركية

شؤون سياسية
الأربعاء 1-6-2011
هيثم عدرة

أسئلة كثيرة تدور في الأذهان حول ما خططت وتخطط له الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية، فمنذ الغزو الأميركي للعراق كانت البداية لإنهاء معاهدة سايكس بيكو التي أعطت للمنطقة العربية جغرافيتها السياسية،

ويبدو أن الولايات المتحدة تحاول أن ترسم جغرافيا جديدة في المنطقة، والمشكلة الكبيرة أن ملامح الفترة القادمة غير واضحة وهذا يسبب بحد ذاته في بعض الأحيان قلقاً أوروبياً تجاه النيات الأميركية.‏

إن تصنيف العراق كمرحلة ثانية فيما تسمية الإدارة الأميركية / الحرب على الإرهاب/ آنذاك يعني أن إيران تأتي في المرحلة الثالثة،ويمكن القول إن تغيير مفردات الخطاب الأميركي تجاه إيران بين الحين والآخر يعني بشكل أو بآخر تغيير استراتيجية واشنطن للتعامل معها حيث أنهت تماماً فكرة الاحتواء، وهذا تطلب ويتطلب استراتيجيات نرى بعضها على أرض الواقع من خلال تجييش العرب ضد إيران، بمعنى آخر إن الولايات المتحدة تحاول إضعاف إيران عبر أطر كثيرة وعديدة وأهمها ابعادها عن المنطقة بشكل أو بآخر وتصويرها على أنها الخطر الحقيقي على أمن واستقرار الخليج وهذا ينعكس على الأرض مواقف متعددة ومتناقضة.‏

في الواقع تبدو الخلافات العربية للوهلة الأولى وعبر القمم العربية المتعاقبة وكأنها تتعلق باعتبارات ثانوية ، لكن الأمر يبدو أكثر تعقيداً، فمن الواضح أن واشنطن قررت منذ أحداث الحادي عشر من أيلول على حد زعمها تغيير سياساتها تجاه أنظمة الحكم في الدول العربية وتجاه غرب آسيا بشكل عام وبما يخدم الجغرافيا السياسية التي أعدت للمنطقة بشكل أو بآخر والتنفيذ يأخذ أشكالاً مختلفة والهدف هو إظهار المخطط بشكله النهائي وفي سبيل هذه الغاية مسموح أن يستخدم كل شيء تحت غطاء الحرية والديمقراطية من خلال ادخال المنطقة في الحروب المذهبية والطائفية، وهذا يجعل المنطقة تدخل في حالة من الفوضى والتي تشكل أرضية رخوة لقبول كل ما تمليه الإدارة الأميركية من جهة وتنفيذ مخططها القائم على التفتيت.‏

نعود إلى نقطة البداية وهي تتمحور حول قراءة العرب للسياسة الأميركية والخلافات فيما بينهم على هذا الصعيد، بالرغم من أن البعض يدرك أبعاد السياسة الأميركية ولكنه يعتبر شريكاً بها ولو لفترة لأن حالة التغيير قادمة على الجميع.‏

بكل الظروف علينا أن نأخذ دائماً النية الحسنة وعلينا أن ننطلق بالتحليل من أن الخلافات العربية هي أولاً« خلافات في قراءة السياسة الأميركية من جهة أولى، وخلافات في كيفية التأقلم أو الرد على هذه السياسات من جهة ثانية، فدول مثل سورية تعتبر أن صراعها مع إسرائيل ناتج عن احتلال إسرائيل لأرضها وبالتالي فهي تحافظ على مواقفها الوطنية والقومية لإدراكها بالطبيعة الأميركية من جهة وما يحاك للمنطقة العربية برمتها من جهة ثانية، فلذلك هي لا تجد أن عليها/ التأقلم/ إن صح التعبير مع مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول وخصوصاً من موقفها تجاه إسرائيل وما تمثله من خطر حقيقي على الواقع العربي برمته ومن هذا المنطلق كان الدور الأميركي آنذاك هو ايجاد الوسيلة الممكنة للضغط على سورية عبر وسائل مختلفة ، وهذا ما يلاحظه أي محلل سياسي يراقب السياسة الأميركية تجاه سورية، أما فيما يخص المملكة العربية السعودية آنذاك أي بعد هجمات أيلول فهي تعرضت لضغوط أميركية كبيرة وهي تبحث عن صيغة/ التأقلم/ مع المعطيات الأميركية الجديدة، أما بقية الخليج وإن كانت تختلف حدتها من بلد لآخر إلا أنها بالمجمل تكتفي باللحاق بالسياسة الأميركية باعتبار أن ذلك يعتبر من أسلم الطرق حسب رأيهم.‏

أما إذا نظرنا إلى ما جرى في السودان وما يجري في اليمن وليبيا فيمكننا أن نرى الصورة على حقيقتها.‏

الخلافات العربية هي التي ترجح في الغرب ما يطلق عليه اسم / نظرية الدومينو/ أي إن انهيار أي نظام عربي سيؤدي إلى انهيارات متلاحقة لبقية الأنظمة، بغض النظر عن مواقفها وعدالة قضيتها أو حتى حمايتها للمصالح الأميركية وأن بداية / الدومينو/ كانت آنذاك من خلال انهيار النظام العراقي، ويضيف بعض المحللين القول أن ما يمكن أن يحدث في العالم العربي خلال المرحلة اللاحقة قد يشبه كثيراً ما شهدته أميركا اللاتينية مع نهاية الثمانينات، عندما اطاحت واشنطن بمختلف أنظمة القارة.‏

من هنا لابد من القول إن الخلافات العربية المستمرة والمتصاعدة أبعدتهم عن معرفة ما يجري وما يحاك ضدهم، وكانت سورية دائماً تنبه إلى المخاطر المحيطة بالواقع العربي من جهة والقضية الفلسطينية من جهة أخرى، وهذا يؤكد حالة التمزق التي تعيشها الدول العربية، فمحاولة كل حاكم عربي / إنقاذ كرسيه/ على حدة تبدو أقرب إلى تفضيل / الانتحار الفردي/ على محاولة البحث عن صيغة مشتركة للتعاطي مع الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، والتي ساهم للأسف البعض من الدول العربية بتقديم المساعدة لإنجاح المخطط الأميركي في تفتيت المنطقة العربية هذا ما تم في السودان وهذا ما يمكن أن يحصل في ليبيا واليمن، وما ينتظر الواقع الفلسطيني من خلال ايجاد وسائل كفيلة بالاستمرار في تشرذم الفصائل الفلسطينية حتى يتم القضاء على كل الاحلام لإعلان دولة فلسطينية.‏

لابد من القول إن ما جرى سابقاً ويجري حالياً من تآمر على المنطقة العربية وعلى سورية تحديداً يهدف إلى إزاحة الصخرة المنيعة التي تواجه المخططات الأميركية التي تهدف إلى إظهار الخارطة الجغرافية التي أعدت مسبقاً للمنطقة، وهذا يجعلنا أمام منعطف خطير يؤثر سلباً على العمل العربي المشترك على المدى القريب والبعيد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية