تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانبعاث من ظلمة (صدع) إلى النور

مسرح
الأربعاء 1-6-2011
ترجمة رنده القاسم

قف على الرصيف الحجري قريبا من كهوف يوركشاير ديلس ،شمال انكلترا، و ستشعر و كأنك تقف فوق الزمن نفسه. ففي الأسفل تنتشر شبكة عنكبوتية من الكهوف المترابطة و ممرات ضيقة شقت طريقها عبر الحجارة مع تدفق المياه على مدار آلاف السنين.

تسمع صوت قرقرة تصدر من التصدعات العميقة و يبدو الأمر و كأنه أصوات أشباح تسكن الكهوف في عمق الأرض.و إن أطلت إمعان النظر في الشقوق قد تشعر و كأنك تزعج مخلوقات غريبة مخيفة.‏

في هذا المكان المثير سيتم أداء مسرحية (صدع- Fissure) من إبداع الفنانة لويس آن ويلسون من يوركشاير، مع مساعدة الشاعرة اليزابيث بورنس، و المؤلفة الموسيقية جوسيلين بوك و مصمم الرقصات نيجيل ستيوارت، إلى جانب علماء أرض بل و حتى علماء مختصين بدراسة الأعصاب.و هو أمر مفاجئ ، و لكن ثبت أن الأخيرين يستخدمان عبارات جيولوجية عند حديثهما عن اضطرابات الدماغ مثل:تجويفات السائل، طرق ، حقول.‏

قبل عشر سنوات ماتت دينيس شقيقة ويلسون التي تصغرها بعام و نصف بسبب ورم في الدماغ و كانت حينها في التاسعة والعشرين ، و مسرحية (صدع)أخذت عنوانها من المكان التي ستؤدى فيه حيث التصدعات العميقة، و من تجربة ويلسون إذ تقول:( الأمر أشبه بخسارة جزء منك،لأن الأخت ترجمة لذاتك ، رؤية تمكنك من أن تكون أنت). بعد فترة قصيرة من موت دينيس، سافرت ويلسون إلى صحراء غوبي شمال الصين، و هناك صعقت من ضخامة العالم و من حقيقة أن أختها ما عادت فيه: ( كيف يمكنني العيش بدون الإنسان الذي أحبه؟ أين سأذهب بكل هذا الحزن؟)‏

ويلسون التي اشتهرت بعملها في مشروع حول شيفيلد الواقعة شمال يوركشاير إلى لعبة ضخمة، وضعت اليوم كل ألمها في (صدع). تتطلب المسرحية لياقة بدنية لا تتوفر عادة في رواد المسرح إذ عليهم المشي اثني عشر ميلا. يبدأ العمل بالحديث عن قصة مرض شقيقتها و تتداخل مع التاريخ المحلي ، أي حياة و موت رجال عملوا على جسر ريبليهيد القريب في السبعينات من القرن التاسع عشر و من ثم تدور الحكايا حول ساكني كهوف و مزارعين . أما الراقصون فسوف يتحايلون على الحجارة الصخرية المراوغة ، فيختبؤن في الممرات المنخفضة ثم يندفعون أمام الجمهور الذي يطوف بالمكان و سيرتفع صوت الجوقة الموسيقية و كأنها تنبع من مركز الأرض.‏

و سيقسم الجمهور القوي البالغ عدده مائة و خمسين إلى مجموعات أصغر، و هم من يقرر إلى أي مدى بإمكانهم تحدي أجسادهم. تقول ويلسون:(لن يكون هناك أشياء محددة تحدث في كل خطوة ، أنني أتطلع لتلك اللحظات عندما تجتمع البيئة مع الطقس مع الضوء مع الأداء و لا يمكن لأحد أن يعرف ما هي الخطة.)‏

و للأسطورة دور أيضا ، مثل قصتي برسفون و أورفيوس اللذين انتقلا إلى العالم السفلي. و كان من دواعي سعادة ويلسون اكتشافها أن خيط الأمان الذي يستخدمه من في الكهف لأجل الخروج للسطح اسمه (حبل آريادن)،و هي في الأسطورة الإغريقية ابنة الملك مينوس التي تنقذ حبيبها بإعطائه حبل ليخرج به من المتاهة. البعض رأى رمزية مسيحية في العرض من خلال فكرة الحج رغم أن ويلسون كانت حريصة على عدم فرض أي معان:(لقد أردت أخذ الناس إلى كهف في مكان تحت الأرض ليصلوا إلى أكثر الأماكن ظلمة و من ثم يعودوا إلى النور,و نحن لا نملك لغة أو طقوسا للحديث عن الموت، وما نفعله سيخلق الفضاء لعمل ذلك.)‏

و هذا لا يعني أن مسرحية (صدع) مظلمة و كئيبة. ف ديلس في أيار غالبا ما تكون مضيئة و مشمسة و المشي بحد ذاته يرفع من المعنويات.و عند سؤال ويلسون عما كان من الممكن أن تفكر به أختها ابتسمت قائلة:( من سخرية القدر أنها لم تكن تحب المشي.كان من الممكن أن تنطلق معك في السير و لكن مع وصولها إلى أول هضبة ستقول لن أقوم بذلك سأراك لاحقا في المطعم).‏

عن The Guardian‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية