|
مسرح لماذا تسجل فرنسا استثناء ليس لديه شبيه؟ هل هي البنية التقليدية للمؤسسات الفنية، أم ديناميكية القطاع الخاص؟ أين السر في المعجزة الفرنسية ليقتدي العالم بوصفتها؟. بينما يلفظ المسرح أنفاسه الأخيرة في عالمنا العربي بسبب مواضيعه الهابطة التي لم تعد تدغدغ أحلامه، وتعالج همومه وأزماته الاقتصادية نشهد في الوقت ذاته انتعاشاً له في فرنسا، حتى بات يسهم إلى جانب القطاع المسرحي الحكومي في ضخ الحيوية والحياة في المشهد الفني الفرنسي. هذا ما أكدته العروض الكثيرة التي ظهرت على الخشبة في فرنسا هذه السنة، والتي تمت مكافأة أحسنها خلال حفلة (الموليير) الأخيرة مسجلة في مسابقة أولى من نوعها نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير، بحضور (2 مليون متفرج). السنة كانت وفيرة (إنتاج 715 عملاً مسرحياً 272 من المسرح العام بدعم الدولة و443 بدعم القطاع الخاص) الذي لايعيش إلا على إيرادات العروض. ويبقى المسرح العام مدعوماً مادياً من الدولة، والذي يتكون من شبكة واسعة من المؤسسات الدرامية، خمسة مسارح.. وطنية، 4 منها في باريس.. بعضها يضطلع باختصاصات معينة، فمسرح أو ديون ولا كولين مثلاً يقدمان عروض المسرح المعاصر والأوروبي، الاستعراضات الراقصة بمسرح شايو.. أما الكوميدي فرانسيز» الأشهر من نار على علم، بفضل أعماله الكبيرة المقتبس معظمها من روائع موليير دراسين، فهي المؤسسة المسرحية الوحيدة التي تمتلك منذ إنشائها في القرن 18 فرقة خاصة بها.. علماً أن المسارح الوطنية وضعت منذ نشأتها تحت وصاية الدولة بتمويل بلغ 209-67 مليون يورو. خشبات القطاع العام الأخرى (مراكز الدراما الوطنية) عددها 36 أقل أهمية وأكثر استقلالية، الدولة تمول 56٪ من ميزانيتها وهناك المسارح الجهوية في المدن الصغيرة والمتوسطة. الانتعاش الذي يرافق الخشبات الفرنسية في جزء كبير منه يعود لحيوية المسرح الخاص الذي يسهم أكثر من 60٪ من إنتاج الساحة الفنية.. ويبقى المسرح الخاص بؤرة إبداع وفضاء للتسلية والترفيه.. وهو أيضاً مغامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لرجال من الفنانين والإداريين، حيث أن نموذج المسرح الخاص في فرنسا لايعرف مساهمة منتجين من الخارج، فالتمويل للمشاريع الفنية يقع على عاتق المسرح نفسه (ميزانيته).. المسرح الخاص هو أيضاً قطاع اقتصادي مهم تصل إيراداته السنوية لـ 150 مليون يورو، ويوظف أكثر من مليون عامل، وهو قطاع ينمو وينتعش بفضل تنظيم محكم وروح التعاون التي تجمع أعضاءه. نرى المسارح الـ 53 المنتشرة في باريس تحمل تسمية (اتحاد المسارح الباريسية) التي تضمن جودة العرض وشروط الرفاهية والراحة في القاعات. لجأ هذا الاتحاد منذ ستينات القرن الماضي لإنشاء (صندوق دعم مالي) لمساعدة المسارح الأعضاء في الاتحاد وحمايتها في حال أزمات مادية مفاجئة. المسرح الخاص هو أيضاً لطالما استفاد من رعاية رجال أعمال وأثرياء وضعوا فيه ثقتهم، يحركهم حب المسرح الراقي والفن الجميل فوق كل اعتبار مادي. كما أن المسرح الخاص الفرنسي الذي لا يحظى بمساعدات حكومية عرف كيف يطور وصفاته الخاصة التي تسمح له بالاستمرار من تمديد فترات العروض الناجحة وتأجير المسارح نهاراً، إلى الاعتماد على عدد محدد من الممثلين للتقليل من النفقات، واقتباس أشهر الأعمال السينمائية والأدبية. إضافة إلى (التكامل) الذي يميز العلاقة بين المسرح العام والمسرح الخاص، فالفنانون ينتقلون بين القطاعين دون أي عقد وكثير من المسارح تأخذ على عاتقها إتمام عروض المسارح الأخرى أو إعادة عرضها من جديد ولاسيما أن المسارح الخاصة لاتوجد إلا في باريس، بينما تحظى المسارح الحكومية بتغطية وطنية كبيرة، على أن أهم أسرار هذا الانتعاش يبقى حب «الفن الراقي» الذي يحرك كلا القطاعين. |
|