|
مسرح وتلك الحكايات باعتبارها امتداداً، وحتى بعد أن انتقل المسرح إلى القصور وأصبح مجرد تسلية محضة، لم يتخل عن تلك الحكايات رغم أنه لم يشغل من البرجوازية سوى الخبر الصغير من اهتماماتهم، وكان يقدم على مسارح صغيرة أنيقة لايرتادها الشعب غالباً.. لأن رسوم الدخول إليها كانت باهظة عليهم، أما موضوعاتها فلم تكن تعالج هموماً ذات أهمية .. وكانت لاتعنيهم من قريب ولامن بعيد.. هذه الإشكاليات خلقت لدى القائمين على المسرح من المهتمين بتلك الفئة من الناس الرغبة في إنشاء ( المسارح الشعبية) التي تعنى بهموم الجماهير الواسعة ومشكلاتها التي تكون مادتها لما تعانيه من نقص حاد في أغلب متطلبات الحياة، في مقدمتها غياب التقانة ومتطلبات العيش الرغيد.. ومن منطلق أن على الفن الدرامي أن يتجه إلى الشعب بأسره وإلى كافة الطبقات الاجتماعية في آن واحد من علماء صناع وشعراء، وتجار وحاكمين ومحكومين وأخيراً الأسرة الواسعة للأقوياء والضعفاء. إن المسرح في كل مكان موجود حين يلتقي الناس بالناس ولتمكين المسرح الشعبي من إنجاز مهماته على الوجه الأكمل كان ضرورياً أن تقوم الثورة على المفهوم المعماري التقليدي للموقع المسرحي بصيغته القديمة ( العلبة الإيطالية) والاستعاضة عنها بمواضع أكثر اتساعا لاستقبال عدد أكبر من جماهير المشاهدين (ملاعب- مساحات عامة- ميادين المصارعة).. المسرح كان ولايزال من ألصق الفنون بالجماهير لأنه يمثل مؤسسة ثقافية جماهيرية توفر للناس حق المتعة من خلال الفن الحي النابع من القيم الحضارية للجماهير وفي الأماكن الأكثر راحة للجماهير الشعبية، فالبعض يرى أن الذي حط من شأن المسرح هي الهندسة المعمارية.. وهكذا تأسست المسارح الشعبية (مسرح الشعب) لـ ( بوريس بوتشر 1895 في بوسان) وأقام (لوي ليميه) مسرح للمواطنين من باريس هادفا إلى تعريف الجماهير الشعبية بالأعمال الكلاسيكية والمسرح الشعبي في بالفيل 1903. كما أسس فيرمان جيميه المسرح الوطني المتجول وفي سويسرا عام 1908 مسرح جورات هذا الاهتمام بالمسارح الشعبية هو الذي دعا إلى ضرورة تأسيس مسرح الأمم عام 1906 في باريس ليتم اللقاء بين الشعوب لتقدم كل أمة أفضل ما لديها من فن أصيل خلقته شعوبها. وعند العرب استمدت المسارح من موروثها الشعبي ومن الحكايات والأساطير والقصص كمضامين كذلك الأشكال الدرامية أو الشبيهة بالمسرح التي توارثوها والتي تديم العلاقة مع فنون الشعوب تلك لـ ( خيال الظل والأراجيز والمقامات والحكواتي). الخصوصية الشعبية الموروثة أساسية إذاً لإيجاد المسرح الشعبي العربي إذ لا يمكننا أن نستعير شكلاً شعبياً لأمة ما هنا وندعيه لأمة أخرى وذلك لاختلاف سماته وخصوصيته القومية وعلى المسرح العربي إذاً أن يتحرر من طوق الغربة في المسرح ويعمل على ما يؤكد الهوية الخاصة به وكان المسرحيون العرب يحاولون الاستقلال عن المسرح الأجنبي بقدر ما كانوا يوغلون في تقليده. المسرح الشعبي .. هو مسرح موجه إلى الجمهور الواسع الذي يستطيع الذهاب إلى المسرح دون تميز في ثقافة ونوع هذا الجهور يقول (بريخت): «يجب أن ألا نحتقر مقدرة فهم الجمهور». كان لمحاولات العربي في الاستفادة من التاريخ والموروث الشعبي والفلكلور كما في محاولات: الفريد فرج ، سعد الله ونوس، الطيب الصديقي، قاسم أمين وآخرون غيرهم ممن كان لاستخدامهم للموروث أثر في تسريع عملية (التأهيل) لايجاد السمات الخاصة بمسرح عربي شعبي متميز يلغي تدريجياً تأثيرات الغرب منه.. فكان من أول تلك المحاولات إلغاء شخصية (البطل- الفرد) ليحل الشعب صانع تلك الحكايات .. |
|