|
ثقافة أنها تشكل في الأساس ثورة على نمطية الشكل وتقليدية المضمون، لكن المرء إذا أمعن النظر في قصيدة النثر بتجلياتها الحالية عند الشعراء الشباب لا يملك إلا أن يقرر وهو مرتاح الضمير أن معظم تلك القصائد التي تنشر في المجلات الأدبية لاتدل على شاعرها على الرغم من ذاتية موضوعاتها، بل يبدو الأمر وكأن كل تلك القصائد قد كتبها شاعر واحد، باستثناء بعض الأسماء القليلة التي أفلتت من ذلك الإطار النمطي ويرجع ذلك لامتلاكهم موهبة حقيقية ولحبهم واحترامهم لكل تاريخ الشعر في هذا الوطن ولذا جاء نشرهم جميلاً وتمردهم أجمل لأنه لم يكن مفتعلاً. ما الذي جعل من قصيدة النثر عند هؤلاء إذاً عمود أكثر صرامة وتقليدية من عمود شعر التفعيلة التي تمردت عليه..؟ أعتقد أن مرجع ذلك في الأساس يعود إلى أن معظم شعراء هذا الجيل من النثريين يفتقر إلى الحد الأدنى من المعرفة بتراث الشعر العربي بل إن البعض يباهي بذلك دون أدنى خجل إذ يعتبر أن معرفته بالتراث تضبضب رؤيته للواقع، بل الأدهى من ذلك أنهم مقطوعو الصلة بتراث قصيدة النثر ذاتها التي كتبها شعراء عظام، كمحمد الماغوط، وأنس الحاج، لذا ترجع قصائدهم دائما إلى مصدرها النثري فتصبح مجرد انطباعات لا يمكن لها أن تؤسس لشعرية جديدة بل أحياناً تكتشف أنك لا تقرأ شعراً بل مقال سمج ممل وقد لامتهم على ما كتبوه الشاعرة العراقية (نازك الملائكة)، علاوة على أن تلك القصائد وقعت في معظمها تحت تأثير القصائد المترجمة لشعراء الغرب أي إنها تأثرت بنصوص غير حقيقية فأصبحت صورة الصورة copy copy of a لأن النص المترجم لايمكن أن يطابق النص الأصلي في لغته وروحه مهما بلغ المترجم من براعة. من المهم هنا أن أقرر بوضوح ورغم كل ما سبق أنني لست ضد قصيدة النثر بأي حال من الأحوال بل على العكس تماماً ولكنني أرى أنه لكي تحقق قصيدة النثر مبرر وجودها، ينبغي على كاتبها أن يدخل معركته عارياً من كل الأساليب التقليدية حتى وإن كانت أساليب نثرية شريطة أن يكون قد استوعب كل تلك الأساليب حتى يعرف لماذا وكيف يتمرد عليها؟ إذ من الأهمية ألا تتم مصادرة التجربة لمصلحة اللغة النمطية لأن التجربة الحقيقية هي التي تفرض لغتها بل إن اللغة في قصيدة النثر ينبغي أن تتطابق مع التجربة تماماً والجمال هنا أنه في قصيدة النثر لا يمكن لنا أن نفصل بين الشكل والمضمون ولو حتى من الناحية النظرية لأن مضمون القصيدة هو شكلها والعكس صحيح. أكاديمي وكاتب عراقي |
|