|
ثقافة يبدو أنني لم أكن مستعدة على الإطلاق لما سيقع عليه بصري لقد هزني هذا المنزل الرائع». إنها مقولة للصحفية الإنكليزية «بريجيت كنان» التي لم تكن وحدها من زار دمشق وعشق تفاصيلها القديمة مثلما آثارها وحميمية أهلها ذلك أن كثراً قبلها كانوا قد فتنوا بهذه المدينة ومن رحالة وصحفيين ومبدعين ومفكرين وغربيين ليتبدى أثر هذا العشق في أعماقهم وأقوالهم وإبداعاتهم الباقية ما بقي التاريخ ينبض من دمشق. شغلت «بريجيت» مناصب رفيعة في عدة صحف أوروبية وكذلك عاشت في بروكسل ثم الهند وغرب إفريقيا لتأتي بعدها إلى دمشق برفقة زوجها الذي عين فيها كدبلوماسي وكان ذلك عام 1993 ما أتاح لها الفرصة للتنقل في أحياء وشوارع وأماكن ومتاحف مدينة سحرتها بعد سنوات من إقامتها فيها، هذه الإقامة التي نهلت خلالها من ثقافتها وحضارتها وعادات أهلها وإلى أن آمنت بروعتها وقررت تخليد ما رأته ضمن كتاب أسمته (دمشق القديمة وكنوزها الدفينة). لقد صدر هذا الكتاب عن وزارة الثقافة وبجزأين قدمت فيهما خلفية تاريخية عن مدينة دمشق وعبر عصور تميزت فيها عمارتها وأسلوب الحياة فيها مثلما توالت عليها أيد شيدت وعاشت في بيوت باحاتها جريئة الاتساع وزخارفها مذهلة الاتقان والدقة. أيضاً تحدثت «بريجيت» عن دمشق كمدينة أثرية علمانية مقدسة وكأول مدينة حضارية مأهولة في العالم، تحدثت عن تاريخها العظيم ونفوذها السياسي والتجاري وعن إنجازاتها الثقافية والفنية وعماراتها الأبهى والأجمل والأميز بين فنون العمارة الإسلامية. الأهم وصفها لآثارها باعتبارها أغنى موقع أثري في العالم بل أرض الكنوز التي لم تكتشف جميعها وبسبب كونها مأهولة باستمرار وبما جعلها مدينة الأسرار المدفونة في أرض مازال علماء الآثار يسعون إلى اكتشافها. إذاً، ولطالما دأبت «بريجيت» على أن تجعل من كتابها صورة طبق الوصف لمدينة احتضنت أسرارها فإنها لم تجد بداً من أن تطلق كلماتها عربون هوى لبيوت كم شغفت بباحاتها واتساعها ونوافيرها وعبق ياسمينها لتكتب بعدها: «أما المنازل فمن البيوت التقليدية في دمشق القديمة وهناك العديد غيرها أيضاً كل بيت عربي في دمشق له باحته وقاعة استقباله الخاصة به وسواء كانت صغيرة أم كبيرة». إنه وصف قالته بعد سنوات من تجوالها في أزقة وشوارع وأسواق دمشق وبعد أن تمكنت من التعرف على تفاصيل الحياة فيها بعاداتها وتقاليدها، بازدحامها وأسوارها وآثارها وحسن احتضانها لكل من زارها لتكون بذلك قد تمكنت من معرفة هذه المدينة بطريقة لم يسبق لسواها من الزوار أن عرفها ولتقول في كتابها مؤكدة ثباتها وإصرارها على الصمود أمام صروف الزمان: «لقد لعبت الطبيعة دوراً مهماً في الرخاء الذي عمّ دمشق أو في الأوقات العصيبة التي ألقت بظلالها على المدينة، هذه المقومات جعلت منها مدينة قادرة على التكيف واستعادة الحيوية بعد الكوارث التي حلت بها، فقد حافظت على هيبتها بالرغم من صروف الزمان ولاغرو بأن كل من زارها على مر التاريخ أعجب بها أيما إعجاب». بيد أنها كانت على حق في إعجابها هذا لطالما سبقتها إليه كثيرات غيرها ومنهن الصحفية والمؤرخة الإنكليزية (فريا ستارك) التي جابت مدن الشرق وإلى أن دخلت دمشق فسحرت بحاراتها وبيوتها وحماماتها لتعتبر أن رحلتها إليها عبارة عن مغامرة قالت عنها: «لقد عشت مغامرة ربما تدفع بمهنتي إلى الأمام فقد وجدت نفسي منجذبة إليها فهي تشبه إلى حد كبير قصص ألف ليلة وليلة». |
|