|
شؤون سياسية بحيث تعذر معه التئام الجرح العربي المفتوح على مصراعيه منذ ذلك العدوان، وبحيث تعسر معه حتى مجرد التكهن حدوث ذلك في المستقبل المنظور. بين العام 1967 والعام 2011 جرى ماء عربي واقليمي ودولي كثير، فـ «لاءات الخرطوم» العربية الشهيرة عقب النكسة:« لا للسلام ، ولا للمفاوضات ، ولا للاعتراف بإسرائيل» صارت « نعم بالثلاثة» إذا انتهى العرب جميعاً- ولايكاد يخرج عن إجماعهم فريق يعتد به- إلا أن يكونوا أصحاب مبادرة سلام تطالب بانسحاب « إسرائيل» من الأراضي العربية المحتلة التي احتلتها عام 1967 مقابل اعتراف عربي كامل بها، وسلام حقيقي معها. أربعة وأربعون عاماً والنكسة الشاهد المتجذر في الذاكرة العربية، يحرك مواجع الأمة، ويعيد ترتيب أولويات الآلام فيها، وفي أغلب الأحيان يجدد أو يضيف المزيد منها، حيث الجراح القديمة تتحول دائماً إلى مواطن لنزف جديد يرهق الوجدان، ويوسع مساحة القهر، في النكسة التي تطل هذا العام والجراح قد اتسعت، والشواهد قد تعمقت إلى الحد الذي أضحت فيه جزءاً من التاريخ و الحاضر على حد سواء، لا يستطيع أحد أن يتجاهل أحكام العقود التي مضت، ولا أن ينسى دروساً امتدت على مدى سنوات، وهي تحرض في كل الاتجاهات، وقد ازدادت لغة التحريض فيها، كما اتسعت لهجة الاستنهاض. مشاهد الانكسار الممتدة على مساحة الوطن لم تترك الكثير من الخيارات، ولم تتح الكثير من الحرية في الانتقاء.. هكذا أرادوا أن تكون الهزيمة في الذاكرة، وأن تترسخ في الوجدان كحالة تعبير عن العجز الكامن لتضاف إليها آلاف أخرى من أشكال الهزيمة في التاريخ والجغرافيا ، في الفكر والممارسة ، وأحياناً كثيرة في الوجود. لقد مثلت تلك الحرب بكل ما أفرزته من نتائج عسكرية وسياسية واقتصادية وجيو استراتيجية تحولاً خطيراً في مجرى الصراع العربي - الإسرائيلي، وبفعل نتائج تلك الحرب ترتب على قضية فلسطين أن تعود ثانية وعلى نحو غير محسوب إلى ردهات منظمة الأمم المتحدة لتخضع من جديد إلى دوامة من التكتلات والصراعات والمماحكات والمناقشات والاجتهادات حول قرارات ومشاريع قرارات متواترة ومتلاحقة اعتبرت مبادئ حل سلمي لها، لكن «إسرائيل» رفضتها، بعدما فسرتها بالكيفية التي أرادتها. وقياساً بالنتائج أيضاً، يمكن القول: إن « إسرائيل» استطاعت على الصعيد السياسي أن تثبت لمعسكر الغرب الامبريالي تفوقها على العرب، الأمر الذي مكنها من اقناعه باعتمادها «شرطياً أمنياً» للمحافظة على مصالحه في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد العسكري تمكنت من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي العربية بلغت أكثر من أربعة أضعاف ما احتلته إبان نكبة عام 1948. كما فتحت مضائق نيران وسيطرت على شرم الشيخ وضمنت لنفسها الملاحة في خليج العقبة، وعلى الصعيد الاقتصادي، تمكنت من السيطرة على المصادر النفطية في شبه جزيرة سيناء المصرية/ حتى ربيع 1983/وموارد المياه في المرتفعات السورية والضفة الغربية وأصبح بمقدورها تطوير عملية الهجرة والاستيطان في الأراضي العربية المحتلة. وفي ما يتعلق بالطرف العربي يمكن الجزم أنها على مستوى نتائجها السياسية أيقظت الوجدان العربي، ونبهت الشعور القومي إلى الخطر الداهم على كل العرب، وانعكس ذلك على التحرك العربي الذي اتخذ اتجاهات عملية وسريعة لإزالة آثارها ودعم مواقع الصمود والاعتماد على الأصالة الذاتية للأمة العربية. والأهم من ذلك أن تلك « النكسة» أو « الهزيمة» التي ألمت بالعرب زادتهم إصراراً وتصميماً على مواجهة التحديات، بدلالات قرارات قمة الخرطوم وحرب الاستنزاف ومعركة الكرامة، وبدلالة متابعة الاستعدادات لبلوغ النصر، ففي حرب تشرين عام 1973 استطاع العرب ولأول مرة من انتزاع زمام المبادرة من أيدي العدو الصهيوني والانتقال بنجاح من الدفاع إلى الهجوم، وأن يباغتوا العالم ويأخذوا العدو على حين غرة، محطمين بذلك نظرة الأمن الإسرائيلي وأسطورة التفوق المزعوم وأن يثبتوا قدرتهم على التضامن والعمل المشترك لتحقيق هدف واحد موحد. غير أن التجربة لم تكتمل إلا مع ظهور نموذج المقاومة اللبنانية، التي اقتدت بتجارب الشعوب الثورية، إلى جانب ما تتمتع به من خصائص لبنانية عربية، وطنية، وإسلامية إلى جانب قيادة حكيمة، فتمكنت من تحقيق انتصارين كبيرين على الجيش الصهيوني، وتحطيم اسطورته التي لا تقهر، الانتصار الأول « التحرير والمقاومة في 25 أيار عام 2000» والانتصار الثاني « الوعد الصادق» في تموز عام 2006. لقد كانت المرة الأولى التي تجلو فيها «إسرائيل» عن أرض عربية بالقوة، كما كانت المرة الأولى التي أخلت فيها أرضاً عربية دون أن تخلف وراءها علماً يخفق فوق سفارة، أو فوق أرض عربية، لقد كان الجلاء بقوة الحديد والنار وبالتضحيات التي قل مثيلها و« بلا قيد أو شرط» إن هذا الانتصار قد فرض معادلات ميدانية جديدة على أرض الواقع، سياسياً وعسكرياً، وبالتالي نستطيع أن نؤكد أن العد العكسي للتفوق « الإسرائيلي» في المنطقة قد بدأ بالتراجع، وبزغ من جديد« عصر الشعوب المقاومة». |
|