تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تساؤلات وجودية..مرّة أخرى.. على لسان (فاوست)..!

ثقافة
الأثنين 6-6-2011م
لميس علي

المقامرة... مفردة شكلت أساس اللعب ما بين الدكتور (فاوست) مع الشيطان (مفستوفيليس)، لعبٌ حمّل أبعاد الوجود الإنساني.. فيه أقصى حالات (الجدية) وحالات (الهزء) بالآن ذاته..

إنه اللعب الوجودي.. المصيري.. والعبثي معاً.‏

في كل مرة يعاد فيها طرح هذه الحكاية ذات الجذور الشعبية الألمانية، تكتسب لمعاناً وبريقاً زائداً..‏

أليست أسئلة الإنسان في كل زمان ومكان هي ذاتها..‏

أليس سر الوجود وسحر الخلود هو شاغله الأزلي..؟‏

حيلة البحث عن بذرة جواب لكل أسئلته أعيت كبار الكتّاب في العالم.. ناقشوها.. أضافوا.. حللوا.. أمعنوا..‏

لكن.. بقيت دائرة بحثهم هي هي.. مغلقة على أجوبة لن يدركها مطلق آدمي...‏

فما هو مغزى الحياة.. ما معنى الوجود.. لماذا الفناء.. ثم ماذا عن التعاسة.. وكيف هو الدرب وصولاً إلى السعادة..؟‏

حكاية الدكتور (فاوست) تناسلتها كثير من الأقلام العالمية، في مقدمتهم: غوته، وكريستوفر مارلو..‏

نص هذا الأخير اعتمده مؤخراً المخرج المسرحي هشام كفارنة، في عرضه حامل الاسم ذاته (فاوست)، الذي قدم مؤخراً على خشبة مسرح الحمراء.. منقباً هو الآخر عن قراءة إخراجية مشهدية جديدة لأسئلة فاوست.. باحثاً، عن طريق الاتكاء على أقوال الغير، التي هي بالآن نفسه (إيكو) لمقولات وتساؤلات (الذات)، عن جوهر هذه (الذات) ضمن (الموضوع).. ضمن (العام)..‏

مستبصراً تأملات.. قراءات.. لربما أطلقت شرارة معرفة.. وأكسبت وميض فهم جديد.. مغاير للسابق.. من منظور الحالي الآني.‏

وهنا.. يظهر بوضوح مبرر العودة إلى الوراء.. إلى نصوص الماضي، لأنها عودة فيها مضمون يقارب حالة كشط ما تراكم من غبار السنين.‏

بلوغاً لجوهر المعنى.. معنى الوجود.. سره.. وفضح أقصى طلاسمه.. من خلال إعادة القول فيه مراراً وتكراراً.‏

(فاوست) باع روحه للشيطان (مفستوفيليس) شرط أن يمنحه طوال أربع وعشرين سنة ذروة السعادة، بتجريب شتى ملذات الحياة..‏

والسؤال: هل بلغ مبتغاه جراء هذه المقايضة..؟‏

طبيعة النص، الممتلئ حالات تأميلة.. الفائض أسئلة وجودية، عبر حوارات جاءت على عدة مستويات، بقيت واضحة وهو شيء مفروض في هكذا نوعية نصية.‏

سينوغرافيا العرض أدت هذه المهمة بجلاء عبر توظيف مشهدية سوداء، فالأسود هو اللون الطاغي على الفضاء المسرحي (خلفية، أزياء،...) وهو ما يشحن نفسية المتلقي ويحيله إلى طقس مثقل بجديته.. المتورط بهذه الجدية حدود العبوس وعقد الحاجبين..‏

هل لاحت في الأفق إمكانية لبلوغ حالة من اللين في التعاطي، بعيداً عن صرامة الطرح..؟‏

حاول كفارنة كسر شيء من مناخ السوداوية الذي طبع النص.. عبر توظيف (بعد أدائي) تمثل بوجود مجموعة (مؤدّين).. أحياناً كانوا متماهين مع هيئة (الجوقة) التي وظفت بدورها كنوع من صدى حديث الذات.. حوار (فاوست) مع ذاته.. ولاسيما عندما كانوا يضعون أقنعة تتشابه ووجه (فاوست، الذي أدّاه الفنان زيناتي قدسية).‏

وأحياناً أخرى.. كانوا يؤدون رقصاً.. أو إيماءً.. وهو ما ساهم بكسر رتابة أو ثقل (الحوار) الذي يعتبر العنصر الأهم والمحرك للنص والحامل لجوهره.‏

عرض (فاوست) انحاز إلى (الكلمة) أكثر بكثير مما انحاز للعبة البصرية.‏

رؤيته الإخراجية لم تموه.. ولم تحاول الاتيان بحلول واقتراحات تخفف من حدة التركيز على الكلمة - الفكرة..‏

وكأنما كان خيار المخرج، صون بنية النص الحوارية، وحتى عندما كان يبتعد قليلاً عن الكلمة - بصرياً- إنما كان ابتعاداً لإعادة تكريسها، لا التقليل من أهميتها.. أو التخفيف من صداها..‏

والملاحظة الجدير ذكرها.. أن أجواء العرض المحافظة على سمة النص الأصلية... لم تغلف بأداء مغرق في طقسية سوداوية زائدة.‏

الأداء بعمومه، ولاسيما الثنائية ما بين قدسية الأب وقدسية الابن (قصي، الذي أدى دور مفستوفيليس) قدرت على إيجاد حل وسط.‏

فهناك جدية التعاطي مع المغزى.. وحيطة من الغوص في متاهة فكر (عيارها زائد).‏

إذاً لا مبالغة.. إنما الوسطية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية