|
حصاد الورق يسير وفق سنن، إيماناً منه أن الساحة التاريخية بما تحمله من معطيات حضارية في جميع مراميها الفكرية لها سنن، ولها نواميس تجسدها عطاءات البشرية. وتضيف الدكتورة ياسمين فيدوح في مجلة الرافد العدد 165 إذا حاولنا أن نتعرف إلى سبل تقدم الحضارات فلا أحد ينكر قدرة العلم وفاعلية الفكر لمد الحضارات بالتقدم وحل مشكلاتها والنظر في مستقبلها، غير أن حال الفكر - بوجه عام- في ثقافتنا العربية مؤسف لما أصابه من تغريب أو إقصاء أو تهميش وانحراف عن مسار التعاطي المعرفي السليم. أضف إلى ذلك أن ركود الوعي المعرفي بوجه عام شبيه ببركة ساكنة لمستنقع الماء الغدير، نتيجة حبسه في موضع راكد لا تجدد روافده، وهو حال المعارف عندنا إلا في حال غرفها من منبع مستجدات النظريات الغربية، مع فارق الزمن، حيث العلاقة التي تربطنا بتطور المستجدات لاتتناسب مع مسافة ابتكارها وتوظيفها في موقعها الأصل. ولعل الدراسة النقدية للمعرفة العلمية شأنها في ذلك شأن الدراسة النقدية في الحقول الأدبية استمرار كمواكبة التغير النوعي في ربط الواقع بالمعرفة وعلاقة الذات بالآخر، وخلق مجال من التحرر لتجاوز كل ماهو ثابت وكل ماهو مسيج بضوابط الحدود الاقليمية، لأن المعرفة لها ارتباط وثيق بالتحرر من القيود. تجمع الدراسات في هذا الشأن أن المأزق يكمن في عدم التواصل مع المعرفة من حيث طبيعتها وأهميتها وحدودها وعلاقتها بواقعنا وليس بحسب الواقع الذي أنتجت من أجله النظريات المستوردة، لأن مثل هذه النظريات تؤثر سلباً على نتائج الاختبارات المحلية، في حال تطبيقها بتفاصيلها في المعرفة المنقول إليها، على نحو ما تراه النظرية الأبستيمولوجية من أن ابتكار، أي نظرية هو استثمار للعقل المنتج وليس للعقل المستهلك. ومن هنا نعتقد جازمين أنه ليس استيراد المعرفة وتوظيفها امتداداً للمعرفة المنتجة، بل هو انتقال من الابتداع إلى الاتباع. ويظل الحكم على أزمات المعرفة بوجه عام والنقد الأدبي على وجه الخصوص قائماً ما لم نعن بمراجعة المنظومة التعليمية من جهة وبأحكام العلم القابل للإثبات والدحض من جهة ثانية، وقبلهما ببذرة الحس المعرفي حتى يجد بدايته في الوسط الواسع من المجتمع وخلق حوافز تنمي من هذا الحس قدراته الموضوعية. النقد إذاً رسالة إنسانية سامية ومن شأنه أن يقدم منجزاته باتجاه الحاضر، طرحاً للرؤى وتصويباً للمسار وتقويماً للعلاقات والنشاطات وإضاءة للعقل وإنارة للطريق أمامه. |
|