|
منوعات فقد نمت هذه الأجيال بانتظار اليوم الذي تندلع فيه الحرب حتى يتم القضاء كلياً على الكيان الصهيوني، وتحرر فلسطين من دنسه، ويعود إليها أبناؤها المهجرين قسراً، فتعود بذلك جسراً بين مشرق الوطن العربي ومغربه،كانت الحكايات عن التآمر الدولي ،الذي فرض الهدنة في حرب 1948 فأنقذ الكيان الدخيل من سبعة جيوش عربية دخلت الحرب لطرد العصابات الصهيونية، تتجاهل حقيقة أن هذه الجيوش مجتمعة (وهي لم تكن مجتمعة) لم يزد تعداد أفرادها إلا قليلاً عن ثلث عدد أفراد العصابات الصهيونية المدربة جيداً والمجهزة بأفضل العتاد العسكري في ذلك الوقت،فكان هذا التجاهل ومعه التعتيم الاختياري الذي فرض على إمكانيات العدو واستعداداته الحربية يمهد لحالة استخفاف عند الجمهور استيقظت فجأة على وقع الأحداث المأساوية في ذلك الصيف المشؤوم.. لم تكن الصدمة بفعل الخسارة العسكرية فحسب،وإنما باكتشاف أن بين العرب من أبهجهم ما حل بأشقائهم المحاربين وأن لهجة الشماتة التي عبر عنها أشخاص لهم مكانتهم الاجتماعية والفكرية إنما كانت تشير في واقع الحال إلى تلاقي مصالح بعض العرب مع الكيان الصهيوني الغاصب،حتى لو لم يكونوا قادرين بفعل قوة المد القومي العربي التحرري والنهضوي على كشف حقيقة موقفهم من القضية العربية المركزية.فقد استطاع هذا المد الشعبي رد الهزيمة منذ اللحظة التي اندفع فيها الملايين في شوارع العواصم العربية رافضين تنحي جمال عبد الناصر عن مكانه القيادي لأنها رأت أن ليس من حقه مغادرة موقع اختارته له،وإن قدّرت له تحمله مسؤولية ما حدث.. كانت الأحداث ترمي بظلالها الثقيلة حين بدأت عملية إزالة آثار العدوان وإعادة البناء الدامي للجيشين المصري والسوري وكان من عناوينها التاريخية معارك الطيران المستمرة على الجبهة السورية واختراق الدبابات لخط وقف إطلاق النار في ثلاثة أيام تاريخية من صيف 1970 ،والعمليات البطولية لمنظمة سيناء العربية على الجبهة المصرية،وإغراق مدمرة إيلات إضافة للاشتباكات اليومية على ضفتي قناة السويس وقد استشهد في إحداها الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان القوات المسلحة المصرية.لقد هيأ هذا الإعداد الشاق المعمد بالدم الطريق لحرب تشرين عام 1973 حيث تحرر العرب من فكرة العدو الذي لا يستطيعون هزيمته والتي حاول كثيرون تكريسها في الوجدان الشعبي العربي.. أطلقت نكسة حزيران رغم مأساويتها ونتائجها الخطيرة عملاً دؤوباً لبناء قوة عسكرية عربية ،كما أطلقت أيضاً حواراً فكرياً واسعاً من منطلق أن الهزيمة لم تكن عسكرية فحسب،وإنما هي نتيجة لتخلف اجتماعي وثقافي وحضاري،وتحفل فترة أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات بالكثير من الدراسات والأبحاث التي غاصت عميقاً في بنية المجتمع العربي ومشكلاته، لتطرح الأسئلة الجوهرية عن سبل المواجهة والتطور، بصرف النظر عن كتابات مارست جلد الذات لتكرس، عن معرفة أو جهل، حالة إحباط وعجز أريد لها أن تسيطر على المجتمع العربي الناهض.كان الرد الأولي عليها في انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني كفاتحة لسلسلة متتالية من حركات المقاومة استطاعت بعد سنوات أن تحرر الجنوب اللبناني من جيش العدو وعملائه ثم تلحق به خسارة فادحة في تموز 2006.وتتبع ذلك بصمود أسطوري لغزة المحاصرة في حرب شرسة عام 2008. تحفل السنوات التي أعقبت عدوان حزيران 1967 بكثير من الأحداث التي تصب في غاية الحرب ذاتها،أي خنق روح المقاومة العربية.وإذا كانت الأمة العربية تعيش اليوم في واحدة من أسوأ أيامها حيث التآمر المعادي عليها يفتت بعض دولها ويلحق الفوضى ببعضها الآخر ويهدد مستقبل بعضها الثالث فإن الدماء الزكية التي سالت في ذكرى النكسة على تخوم فلسطين وداخلها تؤكد أن جذوة روح المقاومة لاتزال مشتعلة رغم كل الظروف ورغم كل المحاولات. |
|