تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من مواطن سوري إلى الرئيس الأمريكي

الملحق الثقافي
7/6/20011
د.عاطف البطرس:«بسم الله الرحمن الرحيم، المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام»

سيادة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك حسين أوباما!‏

بعد إعلان بلادكم عن انتصار النظام العالمي الجديد، تنفست الشعوب الصعداء، وقلنا: ها قد زال الخطر الأحمر الذي كان يهدد العالم بالعدالة والمساواة بين الشعوب، والحد من الفجوة بين دول الشمال ودول الجنوب، وتقارب العالم ليصبح قرية كونية واحدة.‏

ذهبتْ إلى غير رجعة أيام الحرب الباردة، فلم يعد هناك ثورات تصدر، وأطفئت نيران حروب الأيديولوجيا وتقسيم المجتمع إلى طبقات متصارعة، والعالم إلى أنظمة اجتماعية مختلفة، ليحل عهد الوئام بين الطبقات والمساواة بين الدول على أساس حق كل دولة في اختيار نظامها الاقتصادي السياسي الاجتماعي وفق خصائصها، وفسح المجال لكل دولة أن تشارك في بناء الحضارة الإنسانية بما تحمله من تفرد يغني بتنوعه التجربة العالمية ويجعل الشعوب سواسية في المساهمة بعملية تقدم البشرية.‏

سيادة الرئيس!‏

تجاوزنا الماضي، ماضي ممارسات القيادات التي توالت على بلادكم منذ مرحلة التأسيس، ونسينا الحقوق التي حافظتم عليها للهنود الحمر، والمساواة التي مارستموها في بلادكم مع الملونين بوصفهم شركاء لكم وأبناء وطن واحد ينطبق عليهم قانون المواطنة. كما ألغيتم الفروق بين الشمال والجنوب، ووضعتم حداً لحرب التهمت أبناءكم بوحشية، ونسينا حروبكم الخارجية التي أشعلتم نيرانها استجابة لمصالح حفنة من تجار السلاح وأطماع شركاتكم المتعددة الجنسيات للسيطرة على موارد الطاقة والخامات واستعباد الشعوب وإخضاعها لنزوات حكامكم وأوهام مفكريكم أعداء الإنسانية. لن نتحدث عن آخر حروبكم المباشرة، يكفي الحرب الفيتنامية موصولة بمآثركم في كل من هيروشيما وناغازاكي، وها هي ذي حاملات طائراتكم وأساطيلكم تجوب بحار ومحيطات العالم ناشرة الحرية فيه.‏

سيادة الرئيس!‏

جورج دبليو بوش، بشر بالسلام على الأرض، وتكفل بإشاعة الديمقراطية بين الشعوب وداخل الدول، كما قال بتعميم نمط الحياة الأمريكية وجعلها نموذجاً وحيداً على العالم أن يقتدي به، ويمارسه سياسة واجتماعاً، فكراً وذائقة، طعاماً وشراباً، وحتى أحلاماً.‏

بشر فلاسفتكم بنهاية التاريخ، وأعلن سلفكم حرباً ضروساً استباقية ضد الإرهاب، وأطلق شعار «من ليس معنا فهو ضدنا»، كما نشرتم فوضاكم الخلاقة في كل أنحاء العالم، وأضرمتم نار صراع الإثنيات والأديان بعد أن كادت أن تصبح رماداً.‏

أعدتم البشرية إلى ما قبل القرون الوسطى متجاوزين أهم مراحل التطور بإرجاعكم العالم إلى حرب الأصوليات، وما زلتم تمارسون سياسة تقوية المراكز وتفتيت الأطراف.‏

سلفكم الصالح هبط عليه الوحي، فجند الفضاء الإعلامي لتبليغ رسالة السماء إلى الأرض، ونحن نثق بأن باب الوحي قد أغلق ولم يعد ثمة أنبياء جدد. قلنا: لنكذِّب تجربتنا معكم وخبرتنا بكم ولنصدِّق رئيس أكبر دولة في العالم وأكثرها تقدماً في مجال التكنولوجيا ما دامت رسالة السماء، ولكن خيبتم آمالنا فيكم، وانكشفت رسالتكم السماوية. رأينا ما فعلتم في العراق، وكيف تفهمون الديمقراطية وما هي أشكال ممارسة الحرية! والعراق ليس البلد الوحيد الذي حظي بعطفكم واهتمامكم، فهذه أفغانستان والسودان وفي تشيلي والأرجنتين وغيرها وغيرها.‏

وقبلها موقفكم العادل، والداعم لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وموقفكم المعادي لدولة إسرائيل الواحة الديمقراطية في المنطقة العربية والتي تقدمون لها دعماً لا يوصف. فالحرية والديمقراطية لا تستقدمان من الخارج، وعدوهما اللدود المدافع والصواريخ.‏

أمام إخفاقاتكم في المنطقة، وانغلاق الأبواب بوجه مشاريعكم الجديدة القديمة الرامية إلى تأكيد حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، ومساواتها بالرجل، ونشر الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الأقليات والانتصار للمظلومين، قمتم مشكورين بتقديم النصائح للقيادة في سورية للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد. وأنتم تعرفون جيداً كما يعرف أبسط مواطن سوري أن أيديكم البيضاء ليست خارج الأزمة منذ زمن طويل، ونحن نستغرب دوركم الريادي في التخريب وزعزعة الاستقرار في الدول التي تقول «لا» لمخططاتكم وللدول التي تنهج سياسات مستقلة عن إملاءات مؤسساتكم المالية، وتواجه تمدد نفوذكم، وترفض الانصياع لمطالبكم السياسية، وتقاوم شروط «ولايتكم» المتقدمة إسرائيل، الوجه الآخر لغطرستكم واستكباركم. ألا تلاحظون التناقض بين الوسائل والغايات في سياستكم ومواقفكم؟‏

اسمحوا لنا يا سيادة الرئيس أن نتوجه بالشكر لسيادتكم وللسيدة كلينتون وزيرة خارجيتكم التي فرضت إملاءاتها على بلادنا، كما لم ننس جهود سابقتها «رايس» ودورها في حرب تموز ضد المقاومة اللبنانية. نرجوكم وفروا نصائحكم، واهتموا بشؤونكم الداخلية، حلوا مشكلات شعوبكم.. نفذوا ما تعهدتم به من برامج قبل انتخابكم ولا تنسوا الانتخابات القادمة، فقتل ابن لادن ليس كافياً وحده للنجاح فيها، أصغوا جيداً إلى نصائح حليفكم «نتنياهو» المتمرد حتى على أولياء نعمته وعليكم شخصياً بلاءاته الأخيرة التي وقف لها مجلس شيوخكم مصفقاً أكثر من عشرين مرة. ففيها فائدة عميمة لمستقبل سياستكم في المنطقة. أم لعلكم تتجاهلون أنكم جئتم لتبييض صورة بلادكم في منطقتنا، الصورة التي من الصعب أن تجدوا نصيراً لها إلا من عمي بصره وفقد بصيرته فارتهن إلى الخارج.‏

يا سيادة الرئيس! كيلوا بمكيال واحد، وابتعدوا عن ازدواجية المعايير، لقد أصبحت مواقفكم أضحوكة، وتناقضاتكم مهزلة وفقدتم المصداقية.‏

لدينا في سورية مشكلات متراكمة، مزمنة لم تحل، ومهما بلغت حدة مشكلاتنا، فنحن أدرى بسبل حلها وطرق معالجتها، ففي بلدنا من الحكمة والتعقل المتوارث تاريخياً ما يكفي للخروج من الأزمة.‏

وهل نسيتم أن دمشق من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان؟ وأن الشعب السوري وريث حضارات تمازجت فاغتنت وأغنت وقدمت إسهامات للبشرية ليس أولها الأبجدية. ثقوا أن في سورية إرادة وعزيمة وقدرة على مواجهة أعقد المشكلات وأكثرها تقادماً استناداً إلى تنوعه وتعدد أطيافه السياسية والفكرية.‏

يا سيادة الرئيس! ارفعوا أيديكم عنا، وفروا جهودكم النبيلة لأبناء شعبكم، فهم أحق وأولى بها.‏

مواقفكم معروفة في العالم، ولنا ذاكرة حية، فلا تأخذكم نشوة النصر، واعلموا: كما أن للتاريخ مكراً، له قوانين مهما بلغت دولتكم من القوة والعظمة فلن تستطيع إلغاءها، وأن قيادتكم للعالم ليست أبدية، وأن الشعوب لا تنام عن حقوقها طويلاً.‏

•باحث وناقد أدبي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية