تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مسرحية «فاوست» الشيطان حين يقود العالم!!

الملحق الثقافي
7/6/20011
أحمد الخليل:كريستوفر مارلو كاتب مسرحي إنكليزي، شاعر ومترجم من العصر الإليزابيثي. وأشهر الكتاب التراجيديين الإنجليز بعد وليم شكسبير، و يعرف بشعره المرسل، وأبطال قصصه المبالغين، وموته الغامض.

صدرت مذكرة توقيف بحق مارلو في 18 أيار عام 1593 دون ذكر السبب. لكن بعض الدارسين يعتقدون أنها بنيت على أساس التجديف، فقد وُجد في مخطوط يعتقد أنه بخط مارلو عبارات وصفت بأنها «أفكار كفرية حقيرة». وقد مثل مارلو للاستجواب أمام المجلس الاستشاري للملكة بتاريخ 20 أيار وبعد ذلك كان عليه أن يثبت وجوده لديهم يومياً. بعد ذلك بعشرة أيام قام شخص يدعى انغرام فرايزر بطعنه حتى الموت، ولكن علاقة مقتل مارلو باعتقاله السابق ما زالت أمراً غير مؤكد.‏

ولد مارلو عام 1564 «عام ولادة شكسبير»، كان والده إسكافياً وتعلم منه مارلو أن القوة رمز الوجود، عرف بالمشاكسة في صغره فكان سيء الطباع يعاشر اللصوص والهمجيين وله العديد من العشيقات بالإضافة إلى شراهته للتبغ، بفضل ذكائه كسب منحة لدخول «كنغز سكول» بعدها انضم لكلية كانتربري ثم التحق بجامعة كامبردج عام 1580 حيث كانت الدراسة ثلاث سنوات، ولكنها تستمر إلى ثلاث سنوات أخرى إن كان في نية المتعلم الحصول على الدرجة الكهنوتية. حصل مارلو على إجازة في الأدب والفلسفة عام 1584، بعدها امتدت دراسته ست سنوات بيد أنه عند موعد استلام شهادة الماجستير استفسرت الجامعة عن نشاطاته وبدت مرتابة في وضعه فقد غاب طويلا عن كامبردج و بدا أمره مرعباً للسلطات التي شكت بأنه كان في فرنسا وأنه جاسوس الملكة إليزابيث البروتستانتية البريطانية ينقل الأخبار عن الكاثوليكيين. يقال عنه «مارلو كان كاتباً وممثلاً على الخشبة وإنما في الخارج كان جاسوساً محترفاً»‏

وأن مسرحيته «يهودي مالطا» مأخوذة من تجربته الذاتية أي انه كان جاسوس سفن وسجن في مالطا فكتب مسرحيته هناك.‏

غادر مارلو كامبريدج وتوجه للندن التي قضى فيها حياة ساحرة وفاتنة بالإضافة إلى وحشيتها وعنفها فقد كان عضواً بين الكتاب الذين عرفوا بفطناء الجامعة وظرفائها.‏

من مسرحياته: «تامبيرلين العظيم» التي تتحدث عن الطموح وكيف جعلت منه شبحاً يرعب العالم، فهذه المسرحية أطلقت اسم مارلو وجعلته في القمة حتى أسموه القلم الناري وصاحب السطر الأعظم وككاتب يستشهد في الشؤون الأخلاقية، فهو يمجد عاطفة عصر النهضة تحت شعار العلم اللامحدود، تبعها بمسرحيته المأساوية المأخوذة عن قصة للكاتب فيرجيل «أينيد» «ديدو ملكة كارثيبج».. ومسرحية «إدوارد الثاني» التي تتحدث بطريقة مأساوية تاريخية وجريئة «اللواطة». وتعتبر مسرحية «الدكتور فاوستوس» أضل أعماله المأخوذة عن قصة الدكتور فاوست الألمانية التي تتعامل مع الخطيئة البشرية الفاحشة في حق الكتاب المقدس وتستحضر ضمير الإنسان المعذب، أما «مذبحة باريس» فتعد من أواخر مسرحياته.‏

رفض مارلو مبادئ المسرح في وحدة الزمان والمكان وخاصة في د.فاوست حيث القفزات الزمانية تتعدى السنوات وكذلك القفزات المكانية.‏

مسرحية «فاوست»‏

تبدأ مسرحية فاوست «المعروضة حالياً على خشبة مسرح الحمراء» بمشهد الأستاذ المتبحر في المعرف والعلوم الذي يشعر بالملل والضجر من حياته الجامعية الجافة الرتيبة رغم ارتقائه لمنصب أستاذ علم الديانة في الجامعة إلا أنه سئم تدريس العلوم التقليدية يزيد فيها ويعيد على مسامع الطلاب حيث لا جدوى ولا غنى عن أحاديث المنطق الشكلي أو عن متون العلوم الطبية الموروثة من دفاتر القدماء. من خلال هذا المشهد تتكشف خيوط الأسطورة الموروثة منذ القدم حيث يظهر اثنان من أهل السماء أحدهما ملاك الخير الذي يحذر من أن ممارسة السحر يجلب اللعنة في حين يؤكد الآخر‏

الشرير «الشيطان» بأن السحر يجلب العطايا والمكاسب الكبيرة، هنا يضعف فاوست «الإنسان» أمام الإغراءات والمكاسب التي زينها الشر له.‏

يغرق فاوست في معادلاته الرياضية وحساباته الدنيوية فيهبط عليه ملاك الخير ليدعوه إلى التوبة والندم والغفران من السماء، لكن ملاك الشر يصر على تذكير فاوست ببريق الثروة والسلطة والعظمة التي تنتظره لو بقي مقتنعاً بأفكار الشيطان.‏

أحد أعوان الشيطان «لوسيفر» يخاطب فاوست: «سأكون عبداً لك.. أقول لبيك وأصبح طوع بنانك في حالة واحدة وهي أن توقع عقداً معنا وتبرم صفقة تكتبها بدمك تبيع بمقتضاهما روحك للشيطان في مقابل أن نتيح لك ما تطمع في نيله من ثروات وسلطات وإمكانات».‏

عقد الدكتور فاوست الصفقة مع الشيطان ووقعها بدمه، أحد بنود العقد تمنح «فاوست الإنسان» 24 سنة ليتمتع فيها بما يشتهي لكن روحه طوال هذه المدة تكون ملكاً لإبليس. كان ثمة صوت يناديه «انج بنفسك يا إنسان» وقبل وصول الصوت المحذر إلى إدراكه تحيط به مواكب شياطين الجحيم فيبدي رغبته بالزواج، وتكون الإجابة: «الزواج رابطة مقدسة أيها الإنسان. والشياطين لا يتعاملون مع المقدس.. وكل ما يستطيعون تقديمه له عشيقات فقط». هنا يدرك الأستاذ فداحة اللعنة التي بدأت تلاحقه وتحرم روحه من أن تحلق في سماء الطهر والبراءة.. وكلما نزعت روحه إلى التوبة أطلق الشيطان موجة خطايا جديدة منها: الغرور.. الجشع..الغضب.. الحسد.. الشره.. التراخي.. الفسوق. يطوف فاوست مع الشيطان في أوروبا، حيث ذاعت شهرته حتى وصلت إمبراطور ألمانيا الذي استدعاه طالباً منه تحضير روح الإسكندر الأكبر ذي القرنين فما كان من فاوست إلا أن اعترف بأن قدرته تستطيع استدعاء روح شبيهة بروح الفاتح المقدوني القديم. يسر الإمبراطور من سحر الأستاذ فيقدم له مكافأة كبيرة ومع قرب انتهاء مدة العقد «24» سنة يدرك عدم نفع المكافآت أو الثروات يحاول التكفير عن ذنبه وطلب الغفران وإبداء الندم، فيعاجله الشيطان مهدداً بأنه سيقطع أوصاله في حال أظهر ندمه.‏

يضيع فاوست فرصة خلود روحه بدخوله عالم الشهوات واللذة ويصرخ عبر أشعاره:‏

«يا ليتني تحولت إلى قطرة في بحر لجيّ متلاطم.. تغيب في قاعه المظلم فلا يكون لها أثر». تدق الساعة معلنة منتصف الليل.. تتشقق الأرض وتحدق بفاوست عصبة الشياطين الذي يهبطون إلى عمق الأرض حيث يتلاشون في غياهب الجحيم».‏

الجانب الأخلاقي في مسرحية «فاوست» لهشام كفارنة هو محور رئيس من محاور العرض، حيث تركز المسرحية على عدة جوانب في حياة الإنسان «الحذر من الغرور أو التعامل مع ظواهر الحياة ومع منجزات البحث والعلم بمنطق التعالي، وملاحقة الغرائز والركض وراء متع الحياة الزائفة والجشع وإهمال روح الإنسان ومبادئه الأخلاقية»، لذلك فالمسرحية قدمت الشيطان كرمز للإنحراف وحرف البشر عن نهج الخير وإبعاد العلم والمعرفة عن خدمة الإنسان ورقيه وتوجيهها نحو الشرور والشعوذة.‏

نجح كفارنة رغم صعوبة النص واحتشاد أفكاره ودسمها في رسم شخصيات وحوار يخدم الأفكار المطروحة وتؤدي دوراً وظيفياً في شحن المواقف الدرامية.. كما دمج بين اللغة الشعرية ولغة الحوار لتجسيد الصراع المتصاعد بين «الإنسان» و»الشيطان» على الخشبة، واستخدم بين الموسيقى والحركة لإظهار ردود أفعال الممثلين بجودة عالية، وخاصة الشخصيتين الرئيسيتين: فاوست ومستوفوليس «زيناتي وقصي قدسية» اللتين سيطرتا على العرض بشكل شبه كامل فيما المجموعة كانت أدوات كشف وإسناد لأفكار العرض في عمق الخشبة.‏

كفارنة عمل كما يبدو طويلاً على نص مركب يحمل العديد من قيم الفنية والفلسفية العالية، لذلك كان لابد من الاشتغال مع الممثل للوصول إلى صيغة فنية تقارب النص الأصلي وتعطيه حقه على الخشبة للوصول إلى فرجة مسرحية تحقق المتعة البصرية الخالصة، من خلال البحث عن صيغة تجريبية جديدة تقدم قراءة جديدة لفاوست فالنص مؤلف من 40 شخصية قام المخرج كفارنة بتكثيفها والتركيز على بعض الشخصيات لتشكيل شبكة من العلاقات الدرامية الملتحمة مع بعضها البعض بشكل عضوي ضمن صيغة جمالية استثمرت فضاء الخشبة لتقدم مشهدية بصرية ممتعة نظرا لتكامل عناصر السينوغرافيا.‏

فاوست‏

---------------‏

إنتاج مديرية المسارح والموسيقا بوزارة الثقافة‏

نص: كريستوفر مارلو – إعداد وإخراج: هشام كفارنة‏

الممثلون: زيناتي قدسية، قصي قدسية، كميل أبو صعب، نضال حمادي، عبد الكريم خربطلي، جمال تركماني، رنا ريشة، سوسن أبو الخير، ماهر عبد المعطي، نضال جوهر.‏

الفنيون: أزياء سهى حيدر، ديكور موسى هزيم، مكياج هناء برماوي، تصميم الإضاءة نصر الله سفر، هندسة الصوت إياد عبد الحميد، إعلان زهير العربي، مدير المنصة أحمد السماحي، المنصة سمير أبو عساف، مسؤول الملابس عمر فياض، مسؤول إكسسوار أحمد عبد الغني، تحريك ديكور يوسف النوري وميشال خوري، مساعد مخرج رامي عيسى، تنفيذ الإضاءة بسام حميدي، تدريب الرقصات معتز ملا طيلي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية