تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ملامح النصر... والتفاعلات الإقليمية والدولية

متابعات سياسية
الخميس 9-11-2017
د: أحمد الحاج علي

قد تفتح القوى الغاشمة صفحة الحرب في التاريخ الذي تحتسب أنها صاحبة القرار فيه والكلمة العليا، لكنه حين يصبح التاريخ يُقرأُ من وقائع الأرض، ومجريات الميدان عندها تصطدم الغفلة بجدار الواقع،

وتسقط الإملاءات الخارجية ليصغي الجميع إلى صوت آخر لا يشبه ما افترضوه، ولا يتناغم مع ما وفّروا له وأمروا به؛ وهنا يدخل بالنفق المجهول مَنْ خطّط لأن يُدخل الآخر به.‏

والجيش العربي السوري مع حلفائه ، ومسانديه حين يجتاز الخطوط الحمر في شرق حلب، ثم يجتازها إلى دير الزور وريفها، ثم يتابع نحو البوكمال ليقطع شبكة الإمداد للإرهابيين، ويتعاضد مع جيش العراق والحشد الشعبي في عملية تأمين الحدود المشتركة وتسقط في مسيرة النصر هذه أوهام المضللين، وأحقاد الحاقدين فإن الذي فتح صفحة الحرب في التاريخ سيجد نفسه مهزوماً في كتابة الصفحات القادمة، ولن يدخل التاريخ الجديد لأنه يكتب بدم الشرفاء عن وطن الكرامة والتاريخ، ولن يكتب بيد مَنْ ارتضوا أن يكونوا عبيداً لكل تاريخ، تلاحقهم لعنة وطنهم عبر عصوره المتلاحقة.‏

وما يجدر الالتفات إليه هو أن الذين افترضوا أنفسهم صنّاع اللحظة العالمية المعاصرة، وينطلقون من أحلامهم في مدّ فضائهم الحيوي، أو مجالهم إلى البقعة التي يستهدفونها من جغرافية العالم ،هاهي الحقائق الواقعية المصنوعة من أرض الصمود والمقاومة تبدّل لهم اللغة وتغيّر لهم الدرس حيث إن ثمة ما لا يستطيعون إنكاره قد وقعوا فيه.‏

فالذي خطّطوه لتفتيت الجغرافية الوطنية للدول الشرق أوسطية، العربية والإسلامية منها يرون أنفسهم خاسرين فيه، وقد انتقلت عدوى الانفصال إليهم، وأيقظوا الفتنة النائمة عندهم وقد شاعت الروح الانفصالية في دولهم الاتحادية إلى درجة اضطروا معها إلى سجن الوزراء في كتالونيا. وما خططوا له من إثارة النعرات الإثنية، والدينية لدى الدول المذكورة، أصبحوا يواجهون مظاهره عندهم بمزيد من العنصرية البادية إرهاصاتها في تعامل مواطنيهم مع الدولة؛ وبالانفضاض عن سياساتها، واللجوء إلى التظاهر ضدها، واستخدام العنف المنظّم بأساليب لم تعهدها أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية من قبل.‏

وما طرحوه من زعم دفاعهم عن حقوق الإنسان لم يجدوا له نموذجاً سوى في ممالك الرمال ومشيخاتها، وها هي الممالك تتداعى في هزائم متعددة بدءاً من سقوط أوهامها في سورية، والعراق، واليمن، ولبنان إلى تأزم حياتها الداخلية من تداعيات هذا السقوط. ومن المعلوم أن ما يحصل في السعودية، وسجن أمراء الفساد على يد شيخ الفاسدين، أو إجبار الحريري على الاستقالة وهو على طاولة المساءلة في مملكة آل سعود لضلوعه -كما رشح- في عملية فساد أحد أمرائهم، ولرغبة القيّمين على الأمور في المملكة المتداعية بتصفية الخصوم ولو أدى هذا إلى إخراج الحريري من الواجهة السياسية في لبنان حيث لم يعد وجوده يحقق المصلحة الصهيو-سعودية فيه. نعم كل هذا ما كان ليحصل لولا وقائع الأرض، ومجريات الميدان التي يفرضها جيشنا وحلفاؤه، ويتحولون فيها إلى أصحاب المبادرة في تحريك التاريخ على هذه الأرض، وطرد رعاع التاريخ من الأخوان والوهابية من ثراها الطهور.‏

ولشدة ما أصبحت عليه حالة القوى التي شكّلت حلف العدوان على سورية من خسارة متوالية بدأنا نرى ألاعيب جديدة تتفلّت فيها قوى العدوان من كل عقال حقوقي، أو أخلاقي يحترم السيادة، والاستقلال؛ فمن دخول الأرض السورية من دون التنسيق مع الدولة الشرعية، إلى إقامة القواعد العسكرية عليها، إلى دعم الفئات الإثنية، ودفعها نحو إظهار التنصّل من العقد التاريخي الوطني، والزّعم بأنها تتطلع إلى حق المصير عبر إقامة كيان فيدرالي، والسعي لأن يكون الدستور السوري المزمع على قواعد الاتحادية، ومنظوماتها التقسيمية في الدولة، والمجتمع حتى لا تبقى الوحدة الجغرافية والوطنية للدولة السورية؛ لأنها ستعود للعب دورها العربي الوحدوي فيسقط مشروع التفكيك إلى الأبد، وتسقط معه أدواته المحلية، والإقليمية فتتشكّل حالة دولية داعمة لسورية كما هو الحال عليه الآن، وللعرب أيضاً بعد أن يكون النظام العربي الرسمي قد تحرّر من سيطرة ممالك الرمال ومشيخاتها عليه.‏

وما استمعنا إليه من خلال مؤتمر وثيقة وطن المنعقد في دمشق هذا الأسبوع نقف الآن على نسب الفهم الواقعي لما حصل على سورية وتعليلاته المتعلقة بتدمير الفكر العربي والفكرة، حتى لا تبقى عوامل تشكيل أمتنا فاعلة بيننا، ومتفاعلة فينا، ما يجعلنا نهزم المشروع الغربي -الصهيوني، ونحقق مشروع العرب النهضوي في الوحدة والتحرر، والديمقراطية المجتمعية.‏

وإزاء هذا الانتقال التاريخي - بالحكمة في إدارة معركتنا ضد الحرب الإرهابية علينا - من نصر إلى نصر وشيوع روح عربية وعالمية تمتلك القناعة بأن ما حصل في المنطقة العربية لا ينتمي إلى حدث الثورات المعروفة في التاريخ، واستخدام القطيع الإرهابي تحت أي لافتة دينية قد سقط، واستثمار الغرب المتصهين ولا سيما كيانه الصهيوني إسرائيل للإرهابيين قد سقط؛ ومعركة حَضَر الأخيرة كسرت أحلام الإرهاب وداعميه، وغدت قوة الشعب المتضافرة أقوى من غدر الماكرين، وقد شهد محيط قرية حضر آلاف المؤازرين من كل أرض سورية إلى جانب جيشهم البطل وحلفائه في معركة واحدة، كما أن إسرائيل الداعمة للإرهابيين لم تستطع وقف حماس أهل الجولان المحتل، أو عرب الثمانية وأربعين.‏

فالكل هبّ ليقضي على الفئة الباغية، وعُزلت الأدوات التي ما زالت تدفع إلى الحرب علينا بقوة الشعب الصامد خلف دولته وجيشه. ومن نتائج هذا الانتقال إلى النصر المحتم هو أن سبل العمل الدبلوماسي لتسريع وتيرة الحل السياسي لم تعد مقتصرة على أستانا، وجنيف، فها هي مبادرة سوتشي التي يفتح لها الطريق الحليف الروسي ستتحول إلى عملية تطوير المنصة الوطنية الداخلية، وانتزاع التمثيل الخارجي المرتبط بمرجعيات متآمرة على سورية، ومن سوتشي إلى دمشق وفق معادلة الداخل الذي لم يعد يرضى للحل السياسي أن يُدار من الخارج، فالسوريون أسياد أنفسهم، ووطنهم الذي ما زال يحتضنهم بدولته، وجيشه هو الأَوْلى بأن يصبّوا في حياضه كافة جهودهم لإخراج الحل السياسي السيادي الذي يرضي طموح الجميع من أبناء الوطن الواحد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية