|
شؤون سياسية وأكد الرئيس أوباما أن تعيين الجنرال بترايوس مكان ماكريستال لا يعني تغييراً في الاستراتيجية على الأرض وقال: «إن تغيير الشخص لا يعني تغيير السياسة». يشار إلى أن بترايوس يشرف على الحربين في أفغانستان والعراق والمهمة الجديدة التي تسلمها تعد بمثابة خطوة إلى الوراء في مسيرته المهنية، حيث إنه سيترك مركزه الحالي كقائد للقيادة الأمريكية الوسطى بعد موافقة الكونغرس عليه. وقال الرئيس الأمريكي أمام الصحفيين في حديقة البيت الأبيض بخصوص الجنرال ماكريستال الذي اجتمع به لمدة 30 دقيقة عقب لقاء دام 45 دقيقة مع وزير الدفاع روبرت غيتس: «إن سلوكه مثلما ظهر في مقالة نشرت أخيراً لا ينسجم مع المعايير المطلوبة من جنرال» لكنه أشاد بمسيرته وأكد أنه لم يقله بسبب «إهانات شخصية». تتمثل الخلفية المباشرة للإقالة في التقرير الذي نشرته مجلة «رولينغ ستون» حيث سرد التقرير المستجدات في ميادين المعارك في أفغانستان، فعرج على «تخبط» جنود الاحتلال منذ أن كان مسموحاً «قتل عدد مذهل من الأشخاص» وصولاً إلى «ضرورة تجنب قتل المدنيين»، ويكشف التقرير أيضاً حرص ماكريستال والإدارة الأمريكية على «الإبقاء على جوهر القصة» بأننا نملك بالفعل حلفاء في الحرب على أفغانستان. وذكّرت مجلة «رولينغ ستون» بما قاله ماكريستال عن الاستراتيجية التي يروج لها نائب الرئيس جون بايدن بأنها «قصيرة النظر» والتي ستؤدي إلى قيام «دولة فوضستان» في مزج لكلمتي أفغانستان وفوضى أو ربما بمعنى «أرض الفوضى». فقد تهكم الجنرال ماكريستال في حديث مع معاونيه في باريس على نائب الرئيس الأمريكي بايدن إذ قال الجنرال ضاحكاً: «هل تسألني عن نائب الرئيس بايدن.. من هذا؟» أجاب مستشاره ««بايدن؟» وأردف «هل قلت: بايت مي؟» بمعنى «ليذهب إلى الجحيم». رغم أن الجنرال ماكريستال قدم اعتذاره للرئيس الأمريكي فإن اعتذاره هذا لم ينفعه فقد كشف بالفعل عن «تصدع» القوات الأطلسية و«تخبطها» إزاء الحرب بأفغانستان وفضح بالفعل الشكوك التي تحيط بالاستراتيجية الأمريكية للحرب هناك. وكتب الصحافي مايكل هاستينغز الذي وقع مقالة رولينغ ستون أن فريق مكريستال يتألف من «مجموعة من القتلة والجواسيس والنوابغ والوطنيين والمحنكين سياسياً» وقال له الجنرال: «أموت من أجلهم ويموتون من أجلي» كان ماكريستال مهندس سياسة إرسال التعزيزات إلى أفغانستان. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما واجه معضلة البت في توصية قائد القوات الأمريكية بأفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال برفع عدد القوات بأفغانستان في شهر آب 2009. وفي نهاية سنة 2009 أيد الرئيس أوباما توصية الجنرال ماكريستال وتعديل الاستراتيجية بأفغانستان من خلال إرساله 30 ألف جندي إضافي (طلب إرسال 40 ألفاً). وقد وجد الجنرال ماكريستال فترة التفكير الطويلة التي سبقت قرار الرئيس أوباما «مضنية». ولا يبذل الجنرال مجهوداً لإخفاء التوتر مع البيت الأبيض وهي توترات ظهرت للملأ في الخريف الماضي عندما انتقد وجهات نظر نائب الرئيس جو بايدن حول استراتيجية التصدي للتمرد. فاستدعاه الرئيس أوباما آنذاك على متن الطائرة الرئاسية (إيرفورس وان) لتذكيره بضرورة التقيد بالقوانين. وقد تسلق الجنرال ستانلي ماكريستال المجاز من مدرسة ويست بوينت العسكرية الذائعة الصيت سلم التراتبية العسكرية بنجاح باهر وهو يتابع دروسه في جامعة هارفورد. واختار ماكريستال المتحدر من عائلة عسكريين البقاء في الظل فترة طويلة وخصوصاً من 2003 إلى 2008 على رأس القوات الخاصة وهي فرقة عسكرية أمريكية محاطة بالكتمان انضم إليها منذ 1980 ووضعته مهماته في الخط الأول للعمليات الخاصة الأمريكية في العراق وفي أفغانستان منذ 2001. ويتضمن سجله في العراق تصفية القائد المحلي لتنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي في حزيران 2006 والخطة التي استخدمت للقضاء على خلايا القاعدة في 2007 و 2008 لكن القوات الخاصة تعرضت للاتهامات أيضاً لأنها عذبت سجناء في العراق، ولدى تسلمه مهامه على رأس التحالف الدولي في أفغانستان شدد ماكريستال (55 عاماً) على ضرورة «حماية الأفغان من أي عنف» فيما كانت عمليات القصف الأمريكية وضحاياها الكثيرة تؤجج مشاعر العداء حيال القوات الأجنبية. إقالة الجنرال ماكريستال تعبر عن المأزق الحقيقي الذي تعاني منه إدارة أوباما في حربها ضد أفغانستان بسبب ارتفاع عدد القتلى في صفوف القوات الأطلسية، فقد ارتفع إلى 44 عدد الجنود الفرنسيين الذين سقطوا في أفغانستان منذ انتشارهم هناك في كانون الثاني 2002 وارتفع إلى 299 عدد الجنود البريطانيين الذين سقطوا قتلى في أفغانستان منذ العام 2001 وخلال الأشهر الأخيرة يسقط بمعدل جندي إلى جنديين من قوات الحلف الأطلسي يومياً في أفغانستان. وقد اعتبرت القوات الدولية في أفغانستان شهر حزيران أسود بمقتل ثلاثين جندياً في أسبوع واحد وفي السابع من حزيران قتل سبعة جنود أمريكيين واثنان استراليين وواحد فرنسي في هجمات جنوب وشرق البلاد. الحرب في أفغانستان بعد 8 أعوام من شرارتها الأولى تبدو كأنها بدأت للتو، أكثر من 380 جندياً للتحالف الدولي قتلوا خلال العام 2009 بينهم أكثر من 235 أمريكياً من أصل حوالي 1450 جندياً أطلسياً بينهم 870 أمريكياً قضوا منذ الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش في السابع من أيلول لعام 2001 وارتفع عدد الجنود الأمريكيين القتلى منذ بداية مطلع 2010 إلى نحو 266. الأزمة بين الرئيس باراك أوباما والجنرال ماكريستال هي أيضاً جزء من أزمة كبيرة بين الرئيس أوباما والقيادة العسكرية الأمريكية التي لايخفى على أحد معارضتها لسياسته حول انسحاب سريع من العراق، حيث يريد صقور البنتاغون إطالة أمد الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد إلى ما بعد العام 2011. فقد واجه الرئيس أوباما بيروقراطية البنتاغون التي أعلنت عن تصميمها على المحافظة على تواجد في العراق يتناقض كلياً مع سياساته ومع الرغبة التي عبرت عنها الحكومة العراقية بوضوح. فالضغط الذي لا يمكن مقاومته الذي مورس على السيد أوباما لكي يحتفظ بوزير الدفاع روبرت غيتس في البنتاغون يجب أن يفهم على ضوء هذا التحدي المفتوح لزعامته حول مسألة سياسة خارجية بالغة الأهمية. ولايزال البنتاغون مستمراً بكل الوسائل وفي الخفاء في معارضة لسياسة أوباما الخارجية ولاسيما في أفغانستان والعراق لمحاولة ضمان الوجود العسكري لمدة طويلة في هذين البلدين، وهذا تأكيد صريح على أن أوباما بات يواجه النفوذ المهيمن للعسكريين الأمريكيين وحلفائهم المصممين على فرض وجهات نظرهم. كاتب تونسي |
|