تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوتار.. يوم فقدت ذاكرتي وتهت عن بيتي!!

آراء
الخميس 1-7-2010م
ياسين رفاعية

تنتاب الكاتب أحيانا لحظات من التشاؤم وخصوصاً في فقد حبيب أو صديق، وأنا في هذا العمر الآفل ودعت أحبة وأصدقاء من جيلي، كأن هذا الرحيل إنذار شديد بعد انذارات عديدة خفيفة.

حياة الدنيا عود إلى حياة أخرى لانعرف عنها شيئا.‏‏

وتقول كل المعتقدات أن هناك جنة ونار، وكل منا كتابه بيمينه أو يسراه، وعلى اكتافنا من يسجل الخير والشر ويسيطر علي في هذه الأيام الحزن بكل أشكاله وأنا في هذه المرحلة من أرزل العمر، أتناول مجموعة من الأدوية، معظمها عما يسمى مرض الاكتئاب ومع أنني لا أرى من عوارضه شيئا لكن الأطباء يقنعوني باستمرار أنني أعاني هذا المرض، وكي لا يتطور إلى حالة خطيرة، فإن هذه الادوية تحد من خطره نوعا ما.‏‏

سبق أن قرأت الكثير عن مرض الاكتئاب، وأنه يؤدي بالمريض إلى الجنون، أو فقدان الذاكرة أو بأبسط الاحوال الصمت الطويل، والتحديق في الفراغ إلى مالانهاية.. مرض خطير ينتاب الناس الذين تغلب عليهم حساسيتهم المفرطة، بعد صدمة قاسية في فقد عزيز أو فشل في الحب، أو خسارة مال.. وان الحد من تداعياته التي غالبا ما تؤدي إلى الانتحار.‏‏

كل هذه التوصيفات الطبية لم أشعر بها قط، فكيف حددوا لي أنني مصاب بهذا المرض وعلي تداركه.‏‏

وصف لي الاطباء العديد من الأدوية بلغ عددها أحيانا نحو اثني عشر دواء.. ومن بينها دواء يجعلني أهدأ بالاً وأقل حشرجة من هذا الواقع الرديء، وإن حبة واحدة كل صباح تخفف عني وعثاء الحياة المضطربة التي داهمتني في هذه الأيام الأخيرة.‏‏

حذرني الطبيب من الخربطة في الأدوية وأن علي أن أتناولها بانتظام وبدقة متناهية.‏‏

وذات يوم، تناولت بالخطأ حبة بعد حبة من الدواء (cibralexlomg) الذي يجب أن أتناول منه حبة واحدة كل صباح.‏‏

ذهبت إلى الجريدة التي أعمل فيها وبعد تناول فنجان قهوة أخرجت الورق الأبيض والقلم لأكتب وما إن كتبت بضعة سطور حتى اكتشفت انني كتبت أشياء غير مفهومة.. بل بلغة غريبة لا أعرف كيف صففت حروفها، دب بي رعب شديد، فتركت المكتب وخرجت وفي ظني أنني سأذهب الى البيت فما أن ضمني الشارع حتى رحت في اتجاه معاكس للبيت فوجئت: أين بيتي؟ نسيت تماما أين يقع بيتي، أخذت شارع الحمراء ذهاباً وإياباً مرات عدة دون أن أعرف أين اتجاه البيت، صار يسلم علي أشخاص ربما من الاصدقاء ولكن لم أتذكر أيا منهم ،سلكت طرقا عدة يمينا وشمالا، جنوبا وغربا ولكن: أين بيتي..؟ لم أعثر على بيتي خطر ببالي أن اذهب إلى مخفر الشرطة الذي كنت أعرفه جيدا ولكن لم أعثر على المخفر، ضعت تماما بل وأدركت انها النهاية ولسوف اسقط على قارعة الطريق.‏‏

ما انجدني في اللحظة الاخيرة شخص لم أكن أطيقه لغلاظته وسخافته وكنت أتحاشى السلام عليه حيثما صادفني، إذ أمسك بيدي مسلما. نظرت إليه بل بحلقت به، ولغرابة الأمر أنني تذكرته ربما لأن سماجته انطبعت في صدري حذرا منه على الدوام. شد على يدي بحرارة، ثم قال لي أنه لمح بوجهي إجهاداً غير مألوف كأنني أعاني من مرض ما، وجه أصفر تعرق شديد فقلق علي، هل هذا الرجل السمج ذاته، أرسله الله لي لينقذني من هذه الحالة..؟ دعاني إلى مقهى قريب لتناول فنجان قهوة فلبيت رغبته بسرعة وراح يحادثني عن السياسة وأحابيلها ولا أفهم منه شيئا ربما تعجب أنني أنصت له ولم أكن أنصت، كان بالي في غير مكان وأريد أن أجد بيتي خجلت أن أساله أين بيتي خجلت أن أسأله إلى اين سيذهب بعد ذلك، ارتبكت وزادت حيرتي، ياللانسان كم هو ضعيف وكم هو في لحظة ما قشة عود كبريت محترقة وسألت نفسي ماذا سأفعل إن ظلت هذه الحالة تربكني، نسيت الكتابة نسيت القراءة إلى أي حال ستقودني هذه الحيرة؟؟..‏‏

أردت أن أستأذن فسألني إن كنت ذاهبا إلى البيت وسألته بالتالي: أتعرف بيتي؟ ضحك بصوت عال ثم قال: ولو ياأستاذ أنا جارك، نهض، فنهضت معه، مشى فمشيت معه، توقف عند بائعة اللبن اشترى لبناً ظللت واقفا معه توقف عند بائع الخضار توفقت معه، اشترى خبزاً فاشتريت مثله خبزاً.. إلى أن وصلنا إلى المبنى الذي يقيم فيه فسألته أتقيم هنا؟ فقال مازحاً ياأستاذ.. انت جاري فسألته ثانية: في أي طابق أنت فقهقه قائلا في الرابع.. لعلك ستسألني في أي طابق أنت سألته ضاحكا صحيح في أي طابقا أنا.. فقال والضحكة تملأ وجهه: لعلك في السادس قلت: آه.. تذكرت .. فغامت في وجهه دهشة قلقة، دخلنا المصعد، فكبس الزر على الرابع والسادس تركني في الرابع.. وعندما خرجت إلى السادس احترت بين شقتي وشقة جاري .. إلى أن لمحت اسمي على الباب فتذكرت، دخلت الى شقتي وأنا اكثر حيره.. ولم أنتبه عندما القيت بنفسي إلى السرير.. كانت الساعة الثانية عشرة ظهرا.. استيقظت في اليوم التالي صباحاً وأنا مازلت في ملابسي وحذائي. واستعدت ذاكرتي، كل ذلك كان بسبب خطأ في تناول الدواء..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية