تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عاصفة التضليل

نافذة على حدث
الثلاثاء24-2-2015
عبد الحليم سعود

في الثمانينيات من القرن الماضي، كشفت بعض الوثائق الخاصة بوكالة المخابرات المركزية(سي آي ايه) أن قادة هذه الوكالة اقترحوا التركيز على (زرع) شخصيات اسلامية في عدد من الأحزاب والتيارات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط لابهدف جمع المعلومات ونقلها إلى (الوكالة) بل بهدف أن يتحولوا إلى قادة في هذه المجموعات والأحزاب وينفذوا المهام التي تضعها لهم الوكالة.

وهذه التجربة استمدتها الوكالة من الدور الذي قامت به مع المجموعات الإسلامية في أفغانستان مطلع الثمانينيات في حربهم (الاتحاد السوفييتي) إلى أن استولت مجموعات (طالبان) على البلاد.. وفي ذلك الوقت كانت أولوية جدول العمل الأميركي هي الاتحاد السوفييتي وفي بداية الستعينيات تحول جدول العمل الأميركي إلى الشرق الأوسط بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ومناطق الدول الإسلامية وتحول العراق إلى مسرح لحروب شنتها الولايات المتحدة والغرب وتحول لبنان إلى مسرح لحرب اسرائيلية دامت 17 عاماً إلى أن انتصرت المقاومة اللبنانية ودحرت قوات الاحتلال بفضل الدعم السوري وقوى المقاومة وإيران وبقي العراق حتى الآن مسرحاً للحرب الأميركية بأشكال مختلفة ضمن الاستراتيجية الأميركية نفسها في لعبة (حرب المسلمين ضد المسلمين).‏

وتمكنت واشنطن من نقل خطتها إلى سورية منذ عام 2011 وإلى مصر وإلى ليبيا وباكستان واليمن بطرق متنوعة.‏

وإذا كان هتلر قد دفع العالم إلى حرب عالمية ثانية حين أعلن ضرورة احتلاله للدول الأوروبية ومنها فرنسا عام 1940 وأشغل البشرية بحرب تدميرية خلال ست سنوات ثم هزم، فإن الرئيس أوباما وإدارته يسعون إلى تفتيت جميع الدول المنافسة أو المناهضة لسياسته وخصوصاً الدول الكبرى مثل روسيا والصين عن طريق حروب داخلية في كل دولة وتدخل عسكري في كل دولة من هذه الدول.‏

ويرى (بول غريغ روبرتس) مساعد سابق لوزير المالية الأميركية لشؤون السياسة الاقتصادية ومؤلف كتاب(كيف أضاعت أميركا نفسها) أن الإدارة الأميركية تدرك عوامل قوة روسيا والصين الاقتصادية إذا بقيت الدولتان تحافظان على وحدة كل منهما وسيادتها، ولذلك تحاول واشنطن استغلال قدرتها على توظيف أكبر ميزانية حربية لزيادة التحديات ضد هاتين الدولتين اللتين تشكلان سداً يعرقل هيمنتها في العالم كقطب واحد لايريد وجود أي منافس له على الكرة الأرضية.‏

وتزداد قناعة محللين أميركيين بأن أوباما لن يستخدم أي قوة برية أميركية على غرار حرب بوش وغزوه العراق وأن التكتيك الذي ستتبعه القيادة العسكرية هو السيطرة من الجو وتحريض الأطراف والمجموعات الانتحارية في كل دولة على استمرار الاقتتال ضد بعضها بعضاً وهذا مايلاحظه الجميع في ليبيا واليمن، وهذا ماتريد واشنطن اتباعه بعد سحب قواتها البرية من أفغانستان قريباً.‏

وفي قلب هذه الدوامة الأميركية الوحشية لا أحد يضمن استمرار سكوت دول كمصر والجزائر على مايجري في العراق وسورية لأنهما أكبر دولتين عربيتين تتطلع واشنطن إلى تمزيقهما بحروب داخلية أيضاً ، وهذا مادفع الدولتان إلى زيادة اعتمادهما على الأسلحة الروسية والتقارب مع روسيا والصين.‏

وتحتل العراق والعلاقات الخاصة بين شعبها والشعبين السوري والإيراني أهمية لأن الجمهور العراقي وقدراته الشعبية المسلحة لن تسمح بتمرير المخطط الأميركي للهيمنة على العراق وتسخيره للحروب الأميركية ، ولذلك يحذر المحللون في (البنتاغون) من القدرات الشعبية العراقية وقدرة ايران على تسليحها ومساندتها ضد أي طرف توظفه واشنطن ضد مصالح الشعب العراقي.‏

ويعترف (البنتاغون) بأن أي توسع في مجابهة أميركا عسكرياً في العراق والخليج سيفرض على المصالح الأميركية ثمناً باهظاً ويعيد خلط الأوراق لمصلحة الدول المناهضة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط ويوفر لروسيا زيادة إرسال الأسلحة والخبرات العسكرية للأطراف التي تمكنت من توسيع الحرب على أميركا.‏

فالولايات المتحدة منشغلة بكل قدراتها الجوية والبرية في أفغانستان وكذلك في محاربة الإرهاب في باكستان التي بدأت تفتح بوابات علاقات متبادلة مع موسكو وبكين وهي التي تتولى معظم أعباء التدخل والنشاط العسكري في المنطقة ، وإذا ماتجمعت بعض قوى المنطقة ضدها، فإن حسابات (حربها على الإرهاب) سترتد بالنتائج المضادة على كل أهدافها بموجب تحليل نشره (باتريك مارتين) في موقع (وورلدسوشياليست) الأميركي اليساري.‏

ويضيف مارتين: إن توقف الدور الأميركي العسكري ضد« داعش» سيصبح رهناً بالدور الذي ستحتشد حوله كل من ايران والعراق وسورية لحماية سيادة واستقلال دولها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية