تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التطرف.. حجامة أم كي؟

معاً على الطريق
الثلاثاء 17-2-2015
خالد الأشهب

في أجواء الجريمة الوحشية التي أقدم تنظيم داعش الإرهابي على ارتكابها بحق عدد من العمال المصريين في ليبيا, وبعيد الرد العسكري المصري الأولي على الجريمة, ووفقا لموقع «غلوبال فايرباور» المتخصص على ما يبدو,

تعدد (سي إن إن) ما يملكه الجيش المصري في مواجهته المتصاعدة مع داعش, فتعد عشرات آلاف الدبابات والمدرعات وآلاف الطائرات بأنواعها, ومئات القطع البحرية المتعددة ومئات آلاف الجنود التي تتجاوز المليون عند احتساب قوات الاحتياط.. ولا تنسى (سي إن إن) أن تذكر بين الفينة والفينة في المادة الإعلامية ذاتها, بترتيب الجيش المصري المتقدم على مستويي المنطقة والعالم, وبعشرات مليارات الدولارات التي قدمتها الولايات المتحدة له كمساعدات عسكرية جعلته يبدو هكذا!‏

لكن, وكل العالم يعرف وقد رأى بأم العين, أن الجيش المصري وبكل ما يملك وما لديه من القوة والعقيدة.. وحتى لو تضاعفت قدراته مرة واثنتين وثلاثاً, لن يضاهي الجيش السوفييتي بما كان عليه من القوة والقدرة في أواخر سبعينات القرن الماضي, ولن يضاهي الجيش الأميركي بما كان عليه أيضاً مطلع القرن الجاري, خاصة أن الجيشين إياهما هما من صناع القوة وليس من مستورديها.. ومع ذلك عجز الجيش السوفييتي عن هزيمة الإرهاب في أفغانستان, و»عجز « الجيش الأميركي عن هزيمته في العراق وأفغانستان!‏

ليس مهماً ما تريد (سي إن إن) ومصادرها قوله في تبجيل القوة العسكرية المصرية أو توريطها سواء بسواء, بل المهم هنا هو مبدأ الصراع وأدواته.. أي النار في مقابل الأفكار, وتاريخ الصراع في منطقتنا يشهد على انتصار النار مرة وهزيمتها مرة, وعلى انتصار الأفكار مرة وهزيمتها مرة, ويشهد أيضاً أن أيّاً من النار أو الأفكار لم ينتصر أبداً ولم ينهزم أبداً. ولأن التطرف في أصل تكوينه هو منظومات من الأفكار والعقائد غير القابلة للاشتعال أو الاحتراق, فإن الصراع بينه وبين النار في الكثير من مشاهده الجديدة أو المتكررة يبدو هزلياً إلى حدود العبث واللا جدوى.‏

ولعل من الموضوعية والشفافية أن نعترف هنا أن التطرف, خاصة الديني والمذهبي, في الجسد العربي والمشرقي عامة ليس استطالة مرضية ناتئة أو شاذة, ولا هو ورم سرطاني في جسد سليم يتوضع في ناحية أو عضو ما يمكن استئصاله دون زيادة أو نقصان, بل هو جزء من الكيمياء المنسابة في كل أنحاء هذا الجسد.. وهو واحد أيضاً, وبالطبع, من مكونات العقل في هذا الجسد.. العقل الذي لا يرى ما يراه الآخر فحسب, بل وينصب نفسه حكماً في اتهامه والحكم عليه بموجب سلسلة من الدلائل والقرائن, التي تذهب بهذا الآخر إلى جزاء مبرم يتراوح بين الإقصاء والحرق حياً مروراً بقطع الرأس!‏

وإذا جاز التوافق على علاج التطرف بما يناسبه من موروث المنطقة العربية الطبي الشعبي فإن طريقة الحجامة أجدى من الكي في استخلاص جزء بعد آخر من كيمياء التطرف المنسابة في هذا الجسد ولو مؤقتاً.. ريثما تتحول السلاسل الجينية العقلية من نشاطها في إنتاج مورثات التطرف, إلى نشاط آخر في إنتاج شيء آخر ينهض بهذه الأمة من رقادها الطويل في أوحال ذلك المستنقع العفن, الذي ما يزال ينوس جيئة وذهاباً بين تكفير الذات وتكفير الآخر.. دون أي تفكير!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية